كائنات مغربية.. تعيش لتكدح، تدخن وتموت على الهامش!

1٬190

في كل شبر من هذا البلد يوجد عاطلون ومتشردون وكثير من المجانين الذين لا تستطيع مصحاتنا العقلية استيعابهم. لكن يوجد ذلك النوع من الشباب الذي أثار انتباهي في سن مبكرة، لم أجد له أي اسم يعبر عن وضعه، وهل تهم حقا تسميته؟ إذا احتجته ستجده حتما في مكانه المعتاد في مدخل الحي، يعتمر قبعته التي تشع ألوانها المتضاربة من بعيد، يحتل بكرسيه نفس المكان، وفي حالة أنك لم تجده فهو حتما أمام وكيل الملك بتهمة السرقة أو الضرب والجرح. لا وقت لديه للتفكير، فهو إما يلف سيجارة حشيش أو يدخنها.

إنه مجرد شاب مغربي عاطل عن العمل، رقم آخر في لوائح المندوبية السامية للتخطيط.. ليس من النوع الطموح، لا توجهات سياسية أو فكرية، يمنح صوته لكل الساسة الأسخياء، ولا يضيع أي فرصة في جلدهم لأنهم السبب الأول في البطالة وارتفاع أسعار المواد الأساسية. لا يواجه مصيره، فذلك لا يعني شيئا في قاموسه. يهش على الزمن بكلامه المنمق وموسيقاه المتفردة، الخطوط المتقاطعة على ذراعيه تجعل منه فنانا تجريديا بامتياز، لاسيما وشم (أمي) والقلب الذي يخترقه سهم إيروس. إنه بكل بساطة كأغلب شباب هذا الوطن.. فرض عليهم الصمت، واختاروا تدخين الحشيش كنوع من الاحتجاج غير المعلن.

لقد عاش الفقر، وسكن في حي شعبي حقير، وربما سكن في إحدى «الكاريانات» في ظروف لا تمت للعيش الكريم بصلة. لم يكمل دراسته لأن وضعه لا يسمح، وغالبا توفي والده وهو في سن مبكرة فكان عليه أن يعيل أسرته.. كان عليه أن يلغي كل أحلامه في سبيل كسرة خبز.

مقالات مرتبطة

كل شيء من حوله يتحرك ويتغير، لكنه ثابت غير آبه بالعالم، ربما نكاية في الوجود اختار الثبات.. لا تغريه التطورات الاقتصادية وأخبار البورصة، يريد فقط أن يتخلص من آخر صندوق بطاطس لديه لهذا اليوم. مرت مظاهرات عشرين فبراير من أمامه في 2011، ابتسم ساخرا منها.. ومرت ثلاثة عشر سنة ولا تزال الابتسامة تلك عالقة على وجهه. هذه الأمور بالنسبة له مجرد سخونية رؤوس أولئك المثقفين الذين لا يفهمهم أحد من العامة..

إنه كجزء كبير من المغاربة.. يعيش ليكدح ويدخن ويموت! أقصى طموحاته في هذه الحياة أن تنجح إحدى خططه الكثيرة في الخروج من هذا البلد الذي يخنقه، يحاول عمل أي شيء لجمع بعض المال من أجل تسديد ثمن قارب يحمله إلى الضفة الأخرى، الانتقال من الموت إلى الحياة.. يحلم بالبعث! ويتمسك بهذا الحلم منذ صغره، كأنه طوق النجاة وهدفه من عيش هذه الحياة..
لا يزال في نفس المكان يشحذ سكينه «البونقشة» كما يشحذ الزمن تفاصيل وجهه، يكبر على كرسيه ويكبر كل شيء ببطء شديد، ويصل لسن اليأس، اليأس من الأحلام، ويتقاعد من افتعال المشاكل.. لكنه لا يزال وفيا لسيجارة الحشيش، حتى إذا ما انتهت صلاحيته في الحياة ورثه أحد أبنائه، مشكلين بذلك دائرة لامتناهية تفرض وجودها الثابت في عالم المتغيرات.

إنها ليست أبدا قصة فرد، بل هي حكاية مجتمع!