ما الواقع؟
لكل فرد شغفه في هذه الحياة، ولكل طريقته في تسيير الأمور التي ما فتئت أن استمتعت في خلق عراقيل تسبب أحيانا الإحباط، والحزن المقترن بفقدان الشغف. بدل التأقلم مع هذه العقبات نلجأ لأساليب قد تنهي بحياتنا كالتعاطي للمخدرات، الذي يترتب عنه الاستسلام والتوقف عن محاولة إيجاد حلول عقلانية، أو بكل بساطة، انطفاء شعلة الإرادة الذي يكون نتاج أمراض نفسية عديدة متنوعة.
يظهر الواقع حينها بثوب حلم أو ربما كابوس تشعر فيه بأنك لست أنت أو أنك تراقب نفسك من الخارج المرافق للإحساس بأن كل ما يحدث وكل ما يحيط بك مجرد أوهام تدخلك عالمها. كثير من البشر مروا أو ربما لا زالوا يمرون بهذه التجربة المسماة بـ “اضطراب العزلة عن الواقع أو تبدد الشخصية” في فترة من فترات عمرهم.
يعتبر الشعور المتكرر بمثل هذه المشاعر وسيطرتها على الحياة بشكل جزئي أو عام، وقوعا في شباك هذا المرض الذي يمس في الغالب الأفراد الذين قاسوا تجارب صادمة في الماضي المطموس. يحرض الاضطراب غالبا بسبب سوء المعاملة العاطفية أو الإهمال في مرحلة الطفولة أو المرور بتجربة تهدد الحياة بالإضافة للتعب الشديد، ينتج عنه القلق، والهوس ويصبح بعض الأشخاص عاجزين لأنهم يشعرون بالانقطاع حتى عن أنفسهم: فكثير من الأسئلة التي قد تفتك ببصيلات العقل المتهالكة تطرح في كل زمان ومكان: هل أنا فعلا موجود؟ أين يكمن الواقع؟ أيوجد مخرج من هذا الخيال؟
من الأعراض الملازمة لهذا الاضطراب: التخدير العاطفي أو البدني للحواس بالإضافة إلى الانفصال الشعوري عن الذكريات من جهة والتشكيك في وجودها من جهة أخرى؛ إذ قد يؤدي للتشويش في الإدراك الزمني؛ كالإحساس بأن الأحداث التي تعاش قد ولت وصارت من الماضي البعيد. يمكن أن ينتج عن نوبات تبدد الشخصية أو الاغتراب حالات مرضية أخرى كالشعور باليأس والتوتر، والضغط العصبي الحاد، والهرب وتجنب العلاقات الاجتماعية بالإضافة للاكتئاب الحاد المؤدي للانتحار والاضطرابات الصرعية.
غالبا ما يجد الأشخاص صعوبة في وصف أعراضهم أو التحدث عنها، ربما يخشون أو يظنون أن الجنون أصبح يطرق أبواب عقولهم، ولكن الأفراد يدركون أن تجاربهم الانفصالية ما هي إلا وسيلة للتعبير عما يخالجهم عكس الاضطراب الذهاني؛ إذ يفقد الأشخاص الذين يعانون منه إلى هذه البصيرة. يمكن للمرضى الوصول للشفاء الكامل، خاصة أن الأعراض نتاج الضغوط التي يمكن التعامل معها في فترة العلاج، غير أن هناك أفرادا لا يستجيبون للعلاج بشكل سلس فينتج عنه سوء حالة المريض وأحيانا أخرى يختفي ويتلاشى من تلقاء نفسه دون معالجة.