فترة الاختبارات وشبح الفشل

لن نحتاج لوقت طويل كي ندرك أن أطفالنا يعانون من تبعات ما يخلفه شبح الفشل بأذهانهم، ذلك الظلام الحالك الذي يحاصر مخيلتهم كلما أقدموا على اتخاذ خطوة جديدة بحياتهم، كلما أرادوا المضي قدما في تحقيق أحلامهم، فتراهم تارة كمن يعاني من ألم عضوي، وجه شاحب، عينان غائرتان يبدو عليهما تعب السنين التي لم تعش بعد، وتارة أخرى تراهم كمن يتخبط صامتا إثر مشكل نفسي، ضعف في الإدراك وانطوائية لا يعلم أحد ما في جعبتها من خبايا.

هذه الصورة التي قد تبدو للوهلة الأولى أمرا مبالغا فيه، إلا أنها حقيقة تعاش وتعاين على أرض الواقع، فلعل جل الأسر الآن تعير كل الانتباه لذلك المراهق الذي أوشك على اجتياز اختباراته السنوية، اختبارات تسلط الضوء على مجموعة من الإكراهات التي تعاني منها هذه الشريحة العريضة من المجتمع، والتي من المرجح أن تظل مخلفاتها ونتائجها مؤثرة به ومستمرة معه لسنوات، بل دائمة أحيانا ما دامت هذه الروح الضعيفة بهذا الجسد الوهن.

ولعل العيب لا يكمن في الاختبارات بشكل أو بآخر، ولا يكمن أيضا في هؤلاء المراهقين فهم من فرضت عليهم الظروف بأن يكونوا بأجساد أطفال وبعقول شيوخ، بل يكمن في ما يحيط بالعلاقة التي تربط بينهما، والتي تبنى أساسا على الخوف، الخوف من الفشل الذي يصاحبه أقران آخرون، كالخوف من نظرة المجتمع، وأقصد بذلك تلك الشفقة التي تعلو محيا كل من يسمع خبر تعثر أو إخفاق أحدهم في إتمام مهمة ما، ولعل المهمة هنا هي النجاح في اجتياز عقبة هذه الاختبارات، والتي لا يمكن أن تكون أبدا معيارا لقيمة ذلك المراهق، أو معيارا لذكائه من عدمه، لكنها وللأسف اكتسبت تلك الصبغة مع مرور الزمن، ويمكن أن نصوغ أيضا أنواعا أخرى من الخوف، والتي تصب في المجال عينه كالخوف من تخييب ظن من منحهم الثقة والحب، الخوف من المجهول، الخوف من المستقبل، وغيرها كثير.

من المفترض أن كل هذه الأنواع لها تأثيرات واضحة على هؤلاء المراهقين، لكنها تختلف من واحد لآخر والنتيجة واحدة، مراهق بشخصية ملأى بالتناقضات وفكر مشحون بأسئلة وعلامات استفهام لا يملك لها إجابة شافية، وحتى ولو حاولنا أن نكسب هذا الخوف نوعا من الإيجابية أو المشروعية تحت مسمى أداة تحفيز أو دافع لتحقيق النجاح، إلا أنه يفضي في الأخير إلى نتائج سلبية سواء كانت ظاهرة في الوقت الراهن أو لها انعكاسات مستقبلية، فحتى من يمتازون بإدراكهم العالي وجدهم واجتهادهم طيلة السنة الدراسية، نجدهم في كثير من الأحيان يصابون بنوبات الهلع عند اقتراب موعد اجتياز الامتحانات النهائية، فتراهم يعانون من قلة النوم خاصة في الليلة التي تسبق يوم الامتحان، ويمكن أن نضيف على ذلك نسيانهم لأغراضهم وارتباكهم داخل الحجرات الدراسية، والذي يظهر للعلن في شكل ارتعاش، تعرق، خفقان متسارع للقلب وضيق في التنفس قد ينتهي أحيانا بنوبة بكاء حاد أو بإغماء.

لذلك أصبح من الضروري إعادة النظر في خصوصيات هذه المرحلة، وما تحمله من معانٍ لأبنائنا، كما أصبح من واجبنا كأسر أن لا نحملها أكثر مما تستحق، بل أن نعطيها قدرها فقط، دون أي زيادة أو نقصان، لأن الحياة برمتها عبارة عن اختبارات، لا يمكننا أن نتعامل معها وكأنها ذلك الشبح الذي سيلتهم كلما بنيناه وسعينا من أجل تحقيقه.

الإخفاق ليس نهاية المطاف والنجاح كذلك، وإنما هما مرحلتان أساسيتان في حياة كل واحد منا؛ فالأولى تلقننا دروسا لم نكن لنعلمها لولاها، وذلك لخير دفين بين طياتها، والثانية تكسبنا ثقة أكبر بأنفسنا وبما يمكن لنا أن نحققه، فرفقا بمن سيصبحون رجال ونساء المستقبل، لا تحملوهم فوق طاقتهم بل ادعموهم وأحبوهم حبا لا مشروطا، حبا ليس رهينا بنجاح أو فشل.

1xbet casino siteleri bahis siteleri