بالحب تزهر القلوب، ولكن…

ترددت كثيرا قبل تناول هذا الموضوع تحديدا، لأسباب متعددة. أولها نسبية المفهوم وتعقيده، فالحب من المفاهيم الصعب تعريفها وحتى إن حاولت ستجد نفسك تصوغ تعريفا مبنيا على تجربة شخصية أو نابعا من البيئة التي ترعرعت فيها، وثانيها العلاقة الجدلية بين الحب والدين، فلا يمكن الحديث عن الحب دون تقييده بالجانب الديني والذي يرسم حدود هذا الحب كي لا يصبح كالسم يندس في القلوب فيقتلها…ولكن، بغض النظر عن المرجعية والتجارب المعتمدة في تعريف مفهوم الحب، لن يختلف عاقلان على أنه أنبل شعور يمكن لإنسان أن يحسه.

يحب الإنسان في حياته مجموعة من الأشياء منها المادية وغير المادية، فبين حب الله تعالى ونبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحب الذات والوالدين، والزوجة، والإخوة، وحب الوطن، وحب فريق لكرة القدم، تدرك نسبية المفهوم وصعوبة تحديده، بل اختلاف تعاريفه حسب الطرف الآخر، فالحب الذي يكنه الإنسان لوطنه أو والديه مثلا، يختلف من حيث الماهية، إلا أنه يعبر عليه بنفس المصطلح، مما يفرض تواجد قاسم مشترك بين كل هذه الأطراف…فإذا استثنينا حب الله ونبيه الذي جبلت عليه النفس البشرية بحكم فطرتها السليمة، يمكننا القول إن حب شخص ما هو اتصال عاطفي بين القلوب يجعلنا نفرح لفرحه ونقلق لقلقه، ونرغب دائما في رؤيته سعيدا بما يملك، وإن كان التعريف صعبا بحكم أن هذه الأمور تختلف من شخص لآخر.

نعيش اليوم في عالم انتشرت فيه كل أنواع الكراهية؛ من تفرقة على أساس عرقي أو ديني؛ أو بلون البشرة، وحروب بدوافع اقتصادية، وإعلام رسخ الفوارق بين الناس على أساس الوضعية المادية أو المستوى الثقافي والاجتماعي، مما جعل قابليتنا للحب تضعف يوما بعد يوم. فعلى سبيل المثال، أصبح الإنسان اليوم أكثر تقبلا للكراهية منه للحب، ويكفي أن يقوم أي واحد فينا بتجربة بسيطة مع أخيه أو أخته في الإسلام؛ وينطق بكلمة “أكرهك”، ويلاحظ ردة الفعل، مقارنة بكلمة “أحبك”، والتي أصبحت بفعل ما ذكرته تحمل في طياتها مجموعة من الأمور التي لم تكن أساسا الغرض من المحبة.

بالحب تزهر القلوب، وبالكراهية تسود وتذبل…ما أحوجنا اليوم في ظل ما أصبحنا نعيشه إلى ترسيخ قيم المودة والمحبة بيننا، ذلك الحب في الله الصادق النقي، الكفيل بإعادة الثقة بين مكونات المجتمع الإسلامي وعودة قيم التكافل والتضامن، ذلك الحب اللامشروط الذي يحب فيه الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، ذلك الحب الذي سيجعلنا مجتمعين لا متفرقين.

كما أشرت في البداية، فلا يمكن الحديث عن الحب دون استحضار قول الدين ورأيه في الموضوع، فالدين لم يحرم يوما الحب كشعور؛ ولكنه بالمقابل تحدث عن “الحب المحرم”، والفرق شاسع بينهما…فالحب كشعور من أكثر ما دعا إليه الإسلام، لكنه حذر من الوقوع في حب أشخاص أو أشياء معينة لدرجة الجنون، حتى تصبح مرتبتها في القلب أعلى من حب الله ورسوله، هنا يحدث ما سماه الإسلام الحب المحرم، والذي يصبح نكتة في القلب وسببا في خرابها لا إزهارها، وما أكثر القصص التي تثبت ذلك.

في آخر المطاف، في موضوع الحب، لسنا دوما مخيرين، ولا نستطيع دوما التحكم في مشاعرنا وأحاسيسنا، ولكن ما نستطيع التحكم فيه هو تديننا؛ فبالتدين السليم يصبح الإنسان متعلقا بآخرته أكثر من دنياه، فتصبح بذلك أمور الدنيا دون تأثير عليه، وفي هذه الحالة حتى وإن أحب، سيكون ذلك الحب إحساسا جميلا يزهر به قلبه وتطمئن به نفسه، وسأختم بقول للشيخ الطنطاوي رحمة الله عليه: “ما في الحب شيء، ولا على المحبين من سبيل، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه أو يضيع خلقه.” أحبكم في الله.