إِني أَنا أَخوك فلا تبتئس

بعد مقدار لا بأس به من العمر في جامعة الحياة التي مكنتني من أن أكون أختا منذ أول رفة جفن لي فيها، وأنعمت علي بعد ذلك بمزيد من الإخوة حيث إنني نشأت وفتيت وترعرعت في بيت مفعم بالإيخاء حتى أصبحت بعد هذا العمر وكأنني فعلا درست معهم وتعلمت بوجودهم وفي غياباتهم المؤقتة معنى كلمة الأخوة وتجلياتها في روح البشري الذي يحتاج هذا العطاء الرباني في أيامه كلها، سواء أيام الشدة أو الفرح وحتى الأيام العادية الرتيبة التي تكون مياهها هادئة يحتاج المرء للنظر في وجه أخيه والشعور بكينونة وجوده.

كانت قسمتي أن أكون الأخت الأوسط فحظيت بحنان من هم أكبر مني وباحترام من هم أصغر مني، وبوصف أدق وتفصيل أرفع كانت أختي الكبرى كسحابة مليئة باللين والود والحنان، تمطر علينا دون جعلنا ننتظر فصل المطر كانت حاضرة في كل فصولنا، تهطل علينا حبا بسخاء مطلق، لم تقتصر على كونها أما لابنتيها بل كانت أما لكل حرف أصلي من أحرف الأخوة، وتليها أختٌ أخرى كبرى كانت مهمتها تجسيد العطاء الوافر بأفضل شكل له وكأن قلبها خلا من كل شيء إلا من الحب والنوال.

موازاة لذلك تعلمت ممن هم أصغر مني أن أكون أما مسؤولة عنهم في الغياب الأبدي لأمنا، فوجودهم بالقرب مني يجعلني إنسانة تعطي دون توقف وتحب بدون شروط موثقة، تعلمت منهم مصطلح الحب اللامشروط الذي صرت بعد ذلك أستخدمه كمرجع في باقي علاقاتي مع أصدقائي وأقربائي، حيث إنني كلما أردت أن أختبر حبي لشخص ما من محيطي هل هو صادق وحقيقي أم مجرد معرفة لا أقل ولا أكثر صرت أقارن بين ما أكنه لإخوتي وما أكنه لذلك الفرد، هل أضع بنودا لأحب عكسما أفعل مع أشقائي أم أن الأمر خال من تلك الشروط البائسة.

مقالات مرتبطة

مسيرتي في مدرسة الأخوة هذه ليست ككل المسيرات العادية فتعليمها غير مرتبط بدورة دراسية ولا بزمن ومكان محددان فالتعلم منها لا ينقطع مدى تواجدك على أرض الحياة، ولا يتطلب الأمر منك الكثير سوى أن يكون من نصيبك على أرض هذه الفانية أن يكون لك أخ أو أخت.

ليس هذا فحسب فبعيدا عن الحالات الخاصة وعقوق الأخوة لبعضهم  أتحدث هنا فقط عن هذه المنحة كما جاءت وكما ظهرت لأول مرة بفطرتها المجردة من كل الشوائب ومن كل الاستثناءات، فأن تكون جزءا من هذه الكلمة المتأصلة من أربعة أحرف (أُخُوّةٌ) يعني أن تمسك شمعتها المتوهجة ليل نهار وتضيء بوميضها طريقك وطريق إخوتك دون أن تأبه للشمع الدائب الدافئ والحارق أحيانا الذي تخلف وهي تعطي أجمل ما لديها من ضوء، أن تكون مُؤمنا بمبدأ “العطاء مصدر الأخذ” وتعطي دون أن تنتظر موعد الأخذ الذي قد يطول أحيانا وقد يكون في عجلة من أمره أحيانا أخرى.

كثيرة هي النعم التي نغرق في مياهها العذبة دون أن نشعر بثانية اختناق، بل على العكس تسمو بنا هذه المياه حتى ننسى وجودها ونتطلع لأشياء أخرى، لكن من منظوري الشخصي أجد أن الأخوة هي النعمة التي لا تسبقها إلا نعمة الإسلام، فالإنسان يمكن أن تهون عليه حياته ويقبل بحرمانه منها ولا يقبل بحرمانه من إخوته.

1xbet casino siteleri bahis siteleri