التعليم الرسالي: تذكير بمعانيه مع حلول السنة الدراسية الجديدة

التعليم لم يكن يوما مجرّد مهنة أو مجرد عملٍ نتقاضى عليه أجراً ونُؤدّيه ببرود وجفاء من باب الواجب. هذا الواجب الذي يفرض على المُدرّس أن يلتزم بحضور حصصه وشرح درسه وفقا لما تُمليه عليه الجُذاذات والبرامج الدراسية. التعليم خُلِق لأشخاص دون غيرهم، خُلق لهم بشكل متناسق (sur mesure) دونما حاجة لتنميق أو تعديل.

أن تُدرّس تلميذا أو طالبا فذلك يعني أن تتّخذه صديقا وابنا وأخا لك. أن تأتي إليه بكل حبّ وشغف، أن تنسلخ من مشاكلك ومن كل الضغوطات التي تعيشها في حياتك الشخصية، وتأتيه مُحمّلا بالطاقة الإيجابية وبالرغبة في أن تشارك معه عُصارة ما تعلّمته من معارف وتجارب وحكم، ومن الدروس التي تلقّنتها من العقبات التي واجهتك. أن تُعلّمه أن الحياة ليست فقط في الكتب الدراسية، بل أيضا فيما تعلّمته خارج هذه الكتب وفي علاقاتك مع الناس. وكذلك أن تُنمّي لديه ملكة الفكر النقدي، ملكة الدهشة التي تولّد الشك والتساؤل عن كل شيء، والرغبة في البحث من أجل الحصول عن جواب مُقنِع لِما يجوب في ذهنك.

مقالات مرتبطة

أن تكون مُدرّسا، فذلك يعني أن تجعل تلميذا أو طالِبا يدعو لك في حياتِك ومماتك بالخير لِما علّمته، أن يتذكّرك بحب واحترام وتقدير لأنك حبّبته في مادة كانت تشكّل له عائقا في الدراسة والتحصيل، بل حبّبته في الدراسة وجعلته يتّخذ منها هواية لا واجِبا. جعلته يوثر حِصصك على أن يجلس في المِقصف/la buvette أو أمام باب الكلية أو المدرسة الذي تعوّد الجلوس فيه من فرط كُرهِه للدراسة، بل وحتى أن تجعل الفصل مُتنفّسا له إذا ما كان يعيش ظروفا صعبة في منزله، وأن تُساعِده على تجاوُزها إذا ما وكيفَما استطعت إلى ذلك سبيلا.

أن تكون مُدرّسا، فذلك يعني أنك أيضا ستُعلّم طُلابك وتلاميذك أن الحياة لا تتوقف على النجاح في الدراسة، بل لا طعم لها بالنجاح إن كان المرء لا يمارس أشياء أخرى لتنمية مداركه. أن تشرح له الدرس نعم، ببساطة وشغف كبيرين، لكن أن تعلمه حب الموسيقى، حب الفن والشعر والأدب، حب تعلم اللغات وتعلم مواهب جديدة ورياضات جديدة…بالموازاة مع دروسه. أن تعلمه بأن لا يخشى الكلام والتعبير عن مواقفه مهما كلّفه الأمر، أن يكون صريحا وإن كرهه الجميع على صراحته، وألا يكسب المحبة بالنفاق واصطناع الود، وخصوصا، ألا يفهم جيدا فقط فيما يدرُسه، بل أن يفهم ما يدرسه ويفهم شيئا من كل شيء. هذا هو التعليم الرّسالي، التعليم النبيل الذي يجعل عمل المرء لا ينقطع بمجرّد مغادرته المادية لهذه الأرض، بل يمنحه خُلداً روحيا أزليا يعيش مع الناس ويتوارث جيلا عن جيل.

1xbet casino siteleri bahis siteleri