المغرب والمسلسلات التاريخية؛ خطان متوازيان
في كل مرة أشاهد فيها مسلسلا تاريخيا أو أسمع مجموعة من الشباب يناقشون أحداث مسلسل تاريخي معين، أتحسر وبشدة على غياب هذا النوع الدرامي ضمن برامج قنواتنا المغربية، خصوصا في شهر رمضان الذي يكون مناسبة لعرض الأعمال التلفزيونية، وأتساءل دائما عن سبب هذا الغياب؟ هل هو إقصاء مقصود من المشرفين على القطاع أم أنه مجرد تقصير بسبب انغماسهم في تقليد الأعمال الأجنبية، خصوصا التركية؟ ولماذا نرى إخواننا في بلاد الشام دائما هم السباقون إلى إنتاج مسلسلات تتناول أحداثا من تاريخ المغرب القديم، الأندلس مثلا، رغم أننا الأولى والأجدر بإنتاجها؟
قد يبرر البعض هذه القضية من باب أن المغرب لا يتوفر على كفاءات بشرية قادرة على إنتاج مسلسلات تاريخية جيدة على مستوى الإخراج والتمثيل، وهذا خطأ، فمن يتابع المسلسلات العربية التاريخية، سواء القديمة أو الحديثة، سيلاحظ نسبة الممثلين المغاربة المشاركين في تلك الأعمال وأداءهم الباهر الذي يكون مغلفا بلغة عربية فصيحة جميلة جدا، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: الفنان الراحل حسن الجندي، والهرم المغربي محمد مفتاح، وهشام بهلول، وعبدالسلام البوحسيني، ولا ننسى ابن تازة البار ربيع القاطي، الذي سطع نجمه مؤخرا في ليبيا بمسلسلين تاريخيين، وغيرهم…على مستوى الإخراج، فالمغرب يتوفر على مخرجين أكفاء؛ إذ إن أغلبهم درسوا الإخراج في أوروبا أو أمريكا وتتلمذوا على أيدي مخرجين أجانب، الشيء الذي مكنهم من إنتاج أعمال درامية لاقت استحسان الجمهور سواء داخل المغرب أو خارجه. إذا كنا نتوفر على هؤلاء الكفاءات، فلماذا لا ننتج أعمالا تاريخية؟ أم أن الأمر يعزى إلى ضعف الدعم المالي الموجه لهذا القطاع؟
الكل يعلم أن قضية الدعم المالي الذي تقدمه وزارة الثقافة إلى القطاع الفني بالمغرب من أكثر القضايا إثارة للجدل في الشارع المغربي، والتي بسببها ينقسم الرأي العام إلى مؤيد بحجة أن الفنان إنسان له التزامات ومسؤوليات فنية وعائلية، ورافض بحجة أن مَبالِغ الدعم هي أرقام مُبالغ فيها. لن أخوض في تحليل هذه النقاشات، ولكن، ما يهمني أن أقف عنده هي الأرقام التي سربت أو صرح بها في رمضان الفارط والتي قدرت بملايير السنتيمات، بحيث خصص الدعم لإنتاج مسلسل واحد حوالي مليار سنتيم، فهل هذا الرقم -رغم أن البعض رأوا أنه مبلغ هزيل مقارنة مع بلدان أخرى كمصر- لن يستطيع تغطية تكاليف إنتاج مسلسل تاريخي؟ بالطبع يستطيع، لِمَ لَمْ يتم إنتاج مسلسلات تاريخية ذات جودة عالية إذن؟
قد يظن البعض أننا لا نتوفر على أماكن مناسبة للتصوير، وهذا افتراض خاطئ؛ فالكل يعلم أن موقع المغرب الاستراتيجي واستقراره الأمني ومناخه -خصوصا في المناطق الصحراوية ومنها مدينة ورزازات- جعلوا منه قبلة لتصوير مجموعة من الأعمال العالمية والعربية ومن أشهرها فيلم الرسالة، مسلسل Prison Break، فيلم Gladiator وأعمال أخرى شهيرة لن نستطيع حصرها في هذه المقالة. إذا كنا نتوفر على الممثلين والمخرجين والدعم وأماكن التصوير، فما الذي يجعلنا حتى الآن عاجزين عن إنتاج ولو مسلسل واحد؟ قد يقول قائل ربما لا نتوفر على مؤرخين وثقوا تاريخ البلاد وهو ما يجعل كتاب السيناريوهات المغاربة عاجزين عن تأليف سيناريو، وهذا الافتراض مجرد التفكير فيه قد يصيبك بنوبة ضحك هستيرية، لأنه لا يمكن أن نعتقد أن المغرب لا يتوفر على مؤرخين، وهو البلد الذي مر منه مجموعة من العلماء والمؤرخين الكبار الذين وجب أن تكون سيرهم وأعمالهم تدرس في المقررات المغربية، ومن بينهم العلامة “عبدالله كنون” صاحب كتاب “النبوغ المغربي في الأدب العربي“، وأحمد بن خالد الناصري صاحب كتاب “الاستقصا لتاريخ المغرب الأقصا“، وابن عذاري المراكشي صاحب كتاب “البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب“، بالإضافة إلى عبد الواحد المراكشي، مؤلف كتاب “المعجب في تلخيص أخبار المغرب“، ولا ننسى عبد الله العروي وهو من أبرز مؤرخي الوقت الحاضر، على سبيل الذكر لا الحصر.
إذا كنا نزخر بكل هذه المقومات وهذا الإرث التاريخي، فما الذي يمنعنا من عدم إعادة إحياء أمجاد الماضي وربطها بالحاضر، وتذكير الجيران خصوصا الشماليين منهم بالمكانة التي كان المغرب يحظى بها في تلك الحقبة، بالإضافة إلى استغلال التلفزة باعتبارها من أكثر الوسائل التثقيفية، وأن المعلومات التي تمرر عبرها تكون أكثر سهولة للترسب في ذهن المشاهدين خصوصا الأطفال، وهكذا سنستطيع تكوين جيل ملم ومنفتح على تاريخ بلاده، فقد مللنا من مشاهدة أعمال درامية تدور في نفس الفلك، والتي لا تخرج عن سياق الحب والغدر والاختطاف والواقع الوردي البعيد كل البعد عن واقع المجتمع المغربي الحقيقي.