الضمير بوصلة المرء

الضمير الذي تخلى عنه جل الناس، تلك البوصلة التي تقودنا وتصحح مفاهيمنا نحو ما هو خطأ وما هو صواب، تخلى عنه الناس عندما أصبح يأكل القوي منا الضعيف، والغني يأكل مال الفقير، والطعنات المستمرة من ذوي القربى، عندما أصبح الحلال حراما والحرام حلالا.

ينعدم الضمير عندما يشعر الإنسان بحب الذات مما يدفعه إلى التكبر والغرور، وتصبح مصلحته الشخصية أهم من أي شيء؛ يظلم ويتجبر ويتعدى وربما يقتل من أجل مصلحته ولا يستمع للآخرين؛ لأن نزعة الأنا تسيطر عليه في هذا الوقت، فيتصرف تصرفات غير محسوبة مسيئا لمن حوله.

مقالات مرتبطة

الضمير هو الوحيد الذي يحاسب الإنسان على أفعاله وأفكاره وما تكتمه النفس، لذلك يعد نعمة من عند الله لكونه حاكم نفسي داخلي يسوق الإنسان إلى تصرف معين في الاتجاه الصواب، لذا، لا بد أن يستمع الإنسان لما يدور في أعماق نفسه وينتبه، وأن يقوّم نفسه عندما تخطئ؛ فالضمير محكمة سريّة مَخفية غير منظورة، وصوته الذي هو صوت الحق والعدل والصواب هو صوت خافت لا يسمع دفاعه وحججه وتبريراته سوى الشخص الذي يقف أمام تلك المحكمة…مهمته هي المحاسبة والردع واللوم، وحتى مجرد التنبيه إلى ما قد نقع فيه من أخطاء قبل ارتكابها؛ خاصة في هذا العصر الذي يتكالب فيه البشر على المصالح الشخصية بصرف النظر عن المبادئ الأخلاقية. هذا العصر الذي يسعى فيه كل شخص إلى تحقيق المكاسب التي قد تكون في كثير من الأحيان على حساب الغير، أو بوسائل الغش والتدليس، أو بتزوير الحقائق…

إن الحقيقة التي ليس بإمكاننا تجاهلها هي أن لذلك الصوت الخفي دويا أقوى من دوي الصواعق ومن قوة الجبابرة، كما أن المعاناة من تأنيب الضمير أكثر مَضاء من تأثير النيران الحارقة، ومن أشد الآلام. فكثيرًا ما تتحول الحياة إلى جحيم بسبب تأنيب الضمير والشعور بالندم، وكثيراً ما تتحول رغبة المرء في التخلص من معاناته من الندم على ما ارتكبه من آثام ومن معاص، أو من الأفعال التي تُسيء للآخرين؛ إلى هاجس يُنغّص حياته ويلفّها بالكآبة، ما يجعله آخر الأمر يتخلى عن كل ما حققه بتلك الوسائل غير المشروعة وينشد الراحة والسكينة بمحاولة مستميتة لإصلاح ما تسبب به وما ارتكبه من أخطاء…وقد يصل الأمر إلى اعترافه بما ارتكبه، حتى لو أدى ذلك إلى خسارته لما حققه من مكاسب، وحتى لو أدى ذلك إلى خسارته تقدير واحترام الآخرين.

عرّف إيمانويل كانط الضمير بكونه عبارة عن غريزة تقودنا إلى الحكم على أنفسنا في ضوء القوانين الأخلاقية، هنا يمكننا اعتباره ذلك القاضي الشخصي الذي يسكن أغوار أنفسنا، ويراقب تحركاتها وسكناتها أولا بأول، فيؤنبها عند انزلاقها، ويزكيها عند الصواب، فهو مجرد جرس إنذار أحيانا ورادع في أحايين أخرى… فالضمير قد يستجيب، وقد يتعرض للغفوة، بل قد يموت، لكن، كما قال عبد الوهاب مطاوع: “الضمير الحي قد تصيبه أحيانا غاشية فيغفو قليلا أو قد يموت، أو يتغافل لكنه لا يموت أبدا، بل يستعيد عافيته بعد قليل ويحاسب نفسه عن اختياراتها ويردها إلى الصواب.” فالعقل غالبا ما يخطئ، لكن الضمير لا يخطئ، لهذا السبب، لا تتغافل عن ضميرك فتفسد!

1xbet casino siteleri bahis siteleri