العلم وأد السلام

لو عادت بنا الذاكرة إلى عصور مضت لوجدنا أن السلام كان ملازما للإنسان، بل إن ذلك تعدى الجنس البشري ليشمل الحيوانات، فكان الكل يعيش في تناغم وسلام لتحقيق غريزة البقاء ولم نسمع يوما أن إنسانا بدائيا طور قنبلة ذرية للسيطرة على قبلية ما واحتكار خيراتها! فما الذي قلب الموازين وجعل الإنسان يتحول من مخلوق مسالم يقبل أن يعيش مع الآخر ويتعايش معه في حدود إشباع حاجاته البيولوجية دون جشع، إلى آلة قتل آدمية كل همها البقاء في ترف وإزالة كل من يحول بينه وبين هذه الغاية؟

فلنعد لإلقاء نظرة على أرشيف التاريخ كي نجد تلك النقطة التي كانت الفاصل والسبب في هذا التحول المخيف للجنس البشري، لعل أول سبب قد يبدو للمرء منطقيا هو التزايد الديموغرافي للبشر مقابل كمية محدودة من الموارد الطبيعية اللازمة للبقاء، الأمر الذي حتم على هذا الكائن المسالم ابتكار أساليب وأدوات للدفاع عن ممتلكاته وربما الاستحواذ على ممتلكات الغير في إطار قانون لم يسطر بنوده أحد، بنده الوحيد: القوي يأكل الضعيف! نعم، تماما كقانون الغاب إما أن تأكل أو تؤكل وليس لك الحق في الاعتراض. إن هم هذا القوي بأخذ آخر ثمرة من حقلك كل ما عليك السمع والطاعة! في هذه الحقبة بالذات بدأ نوع جديد من المشاعر يتولد ويكبر ويتنامى داخل النظام السيكولوجي لهذا الكائن إنه لذة الاستعباد! في هذه اللحظة بالذات ستتغير معالم العلاقات الإنسانية ويصبح الإنسان ذئبا جائعا لإشباع رغبته السرمدية بالاستعباد لا لأن المستعبد لص أو قاتل أو خارج عن القانون بل فقط من أجل الاستعباد!

مقالات مرتبطة

بهذا يكون الإنسان قد سطر بيديه فجر عصر جديد لم يعد فيه السلام والتعايش اختيارا واردا، ولعل ما زاد الطين بلة وعمق جراح المستعبدين في مقابل اللذة لهؤلاء الأقوياء المرضى هو هذا التطور الهائل في العلم فلم يعد يكفي السوط للقمع والإخضاع بل تطلب الأمر شيئا هائلا، شيئا قادرا على إسكات شعب كامل لذئب واحد فظهرت القنبلة النووية وقبلها الكثير من الأسلحة الفتاكة التي لم تفعل شيئا سوى أنها وأدت السلام وجعلت شعوبا بأكملها لا مجرد قبيلة واحدة تخضع رغم أنفها لحاكم متغطرس مريض بحب الاستعباد والرق.

لا نقول إن العلم لم يفعل شيئا سوى أنه حذف مفهوم السلام من القاموس الأخلاقي للبشر، فصحيح أنه جعل الحياة أسهل وأبسط إلا أنه لم يفرق يوما بين العالم النبيل والعالم القذر من يسخر علمه لخدمة البشرية ومن يسخره للقضاء عليها ولنأمل أن يكون في مستقبلنا نقطة انعطاف جديدة تعود فيها البشرية إلى سابق عهدها حيث تتكاثر الفطريات على جذوع الشجر تتغذى منها وبالمقابل تحميها وتقوي جذورها وحيث القوي لا يأكل الضعيف بل يقويه ليأكلا معا!

1xbet casino siteleri bahis siteleri