وسائل التواصل الاجتماعي وأيديولوجيا التفاهة

2٬324

عرف العالم العربي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تحولا ملحوظا على المستوى التكنولوجي وتطوير وسائل الاتصال: من هواتف ثابتة وأخرى نقالة؛ حواسيب وأقمار اصطناعية ومذياع وتلفزيون والعديد من الأجهزة التكنولوجية والتواصلية. ومن خلال هذه الأجهزة استطاع الإنسان أن يقلص المسافة الطويلة بينه وبين الآخرين. سواء كان هؤلاء الذين سيتواصل معهم هم عائلته وأحباؤه أم هم رفاقه وأصدقاؤه، هو كان سيخلق جسر التواصل معهم وسيشعر بوجودهم ويشعرون بوجوده. وفي السنوات الأخيرة من القرن الواحد والعشرين والتي نحن الآن نعيش على إيقاعاتها، ظهرت مجموعة من المواقع الإلكترونية المعنية بالتواصل الاجتماعي، والتي تقدم خدماتها بالمجان في أغلب الدول وفي بعض الدول الأخرى تكون عليها ضرائب يجب على المواطن أداؤها من أجل الاستفادة من خدمات تلك المواقع الآنفة الذكر.

إلا أنه وكما تعرفون في السنوات الأخيرة عرفت هذه المواقع انحرافا سريعا عن الغاية الأساس التي وجدت لأجلها، وهذا ما سيدفعنا لفحص أسباب وتداعيات هذا التحول في الفقرة الأولى من مقالنا هذا. أما الفقرة الثانية سنخصصها للحديث عن بعض الأمثلة التي تظهر هذا الانحراف وعن خطورته والدور الذي سيلعبه في نشر الفساد واضمحلال الأخلاق الاجتماعية. وفي الأخير سنتحدث عن أدلجة التفاهة وأساليب الانحراف في وسائل التواصل الاجتماعي.

ما هي أسباب وتداعيات الانحراف الذي عرفته مواقع التواصل الاجتماعي عن الغاية المنوطة بها؟ وكيف أصبحت التفاهة رمزا لهذا الانحراف؟
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي منبرا واسعا أو كتابا مفتوحا لاستقطاب مختلف الإيديولوجيات الفكرية، والعقائد الدينية، والأفكار الشخصية والجماعية أيضا؛ كما أنها المجال الفسيح لتبادل التجارب المعيشية والتعرف على الثقافات الأجنبية والتقاليد والعادات المرتبطة بها. إلا أننا بتنا نرى في عصرنا الحالي مجموعة من الانحرافات الواضحة المعالم؛ قد عرفتها منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وأصبح استخدام هذه الوسائل من الانحراف متداولا لدى الغالبية من الناس يتمثل هذا الانحراف في مجموعة من الأسباب وهي:

  1. ضعف كبير في الثقافة المعلوماتية وكذلك العلمية لدى عامة الناس؛ والذين يشكلون الأغلبية الساحقة داخل الفضاء الرقمي؛ فالجهل الذي يعاني منه أغلب الناس، ليس جهلا على المستوى الأدواتي مع وسائل التواصل، إنما هو جهل على المستوى الفكري والمعرفي. فإن شئنا التدقيق أكثر قلنا: إن الغالبية من الناس توظف وسائل التواصل فيما لا نفع فيه، أو لا استفادة تؤخذ منه، وهذا يجعلنا نؤكد وبشدة على أن الناس يستخدمون مواقع التواصل دون الإلمام بالغاية من اختراعها.
  2. انتشار الجهل يجعل الناس تذهب إلى كل ما هو تافه، أو كل ما هو ذا محتوى مخل بالحياء أو بالقيم الأخلاقية والدينية.
  3. استغلال العقول البسيطة لجني المال عبر كسب الاشتراكات وتسجيلات الإعجاب مع تقديم محتوى فاضح يبين أن هناك فئة تدرك بشكل جيد أن الناس لا تسير في الطريق الصحيح، لذلك فهي تستغل جهل تلك العقول، وتبرمجها على كل ما لا نفع فيه ولا استفادة منه غير تعلم أساليب الانحراف والتفكك الأخلاقي، وظهور عاهات فكرية جديدة تساهم في زيادة نسبة الدمار الأخلاقي. حيث يحقق في ظل هذه الأحداث المستفيدون من الدمار الأخلاقي ربحا ماديا ويقومون بزرع “ثقافة الفضيحة” في المجتمعات رغبة في استخدامها كأرقام ربحية.
  4. ميل الغالبية من الناس إلى متابعة المحتويات الترفيهية طول الوقت وإهمال الجانب التثقيفي والتوعوي والتعليمي داخل وسائل التواصل. فتصبح المحتويات التافهة هي ما يتصدر نسب المتابعة، وفي نفس الوقت تشكل فضاء للنقاش والحديث عند المتابعين لها، وفي أغلب الحالات تنشب حروب كلامية داخل الفضاء الرقمي (البث المباشر) أو شجارات.
  5. موت العقل أو بتعبير آخر اضمحلال العقل في حضور النقل، فتصبح الثقافة المنتشرة هي ثقافة النقل وحسب.
  6. السبب الأخير وهو الأخطر: معاناة الفئة الساحقة من الناس في العالم العربي من شيزوفرنية لا علاج لها في الطب النفسي، اللهم إلا إذا تمت هيكلة العقل من جديد داخل الثقافة العربية عبر تربية جيل جديد. فالشيزوفرنية التي أتحدث عنها هي نتاج لثقافة ممزقة المعالم، غائبة الهوية، فاقدة للمعنى.

أمثلة توضيحية لأسباب وتداعيات الانحلال الثقافي الانحراف

بعد أن تناولنا بشكل مقتضب بعض الأسباب التي جعلت استخدام الناس لوسائل التواصل الاجتماعي يعرف انحرافا سنقف على بعض الأمثلة التوضيحية لكل سبب من الأسباب حتى ننزع عنه اللبس والغموض. فكما يعلم الجميع، لكل ثقافة خصوصيتها، ولها أيضا جانب من الوعي الجمعي الذي يتحكم في سلوكياتها، لذلك فالانحلال الأخلاقي لا يأتي إلا من نتاج تلك الثقافة ومن انخرام المبادئ التربوية التي على إثرها تكونت الثقافة الخاصة بذلك المجتمع. ومن هنا جاء تحليلنا لأسباب وتداعيات هذا الانحلال الثقافي وتدني الحس التربوي في المجتمع العربي عموما والمجتمع المغربي خصوصا، عبر تقديم هذه الأمثلة الموضحة لبعض الأسباب المذكورة أعلاه:

  • نظرا لوجود هوة فظيعة بين المجتمع والثقافة، أو غياب الحس التثقيفي لدى عامة الناس، كان من المحتمل الدخول إلى المكتبات فتجدها فارغة خالية على عروشها؛ ونادرا ما تجد فيها طالب علم يبحث عن مراجع ومصادر فقط للاستفادة من التكوين الذي يخضع له، وليس قصد التكوين الحر للشخصية ورغبة في التثقيف والتعلم. فحدوث هذه الهوة الفظيعة بين الرغبة في الثقافة وفي تنوير الذات هو ما يجعل المكتبات تبكي حزنا على قلة زوارها. في المقابل، تجد منصات الموسيقى ودور السينما، وملاعب الرياضة بمختلف أنواعها، ممتلئة عن آخرها حتى لو كانت التذاكر تباع بثمن مرتفع جدا، فالرغبة في شراء المعرفة من المكتبات أو زيارتها ميتة في قلوب الناس، فالفراغ الذي تعانيه المكتبات يجعل العقول تصاب بنوع من التخدير بدون مخدر، فتصبح الروح ميالة للغرائز وإشباع الشهوات حتى لو كلفها ذلك دفع مبلغ كبير.
  • أدى ظهور التكنولوجيا الرقمية والأجهزة الذكية إلى دخول المجتمعات في قلب العولمة؛ حيث إن كلا من الشركات المصنعة لأجهزة التكنولوجيا الرقمية، وشركات الاتصالات، ووسائل الإعلام قامت بتوجيه الرأي العام باستخدام بروبغاندا تسويقية للمنتوجات المتعلقة بالشركات، وهذا كله من أجل توسع الرأسمالية المتوحشة التي لا يهمها سوى الربح المادي، في حين تبقى الشعوب الجاهلة منخرطة في العولمة بالشكل المقلوب، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية في إشباع الرغبات الترفيهية فقط. لكن استخدام هذه التكنولوجيا الذكية على مستوى التواصل سيتخذ بعدا جنسيا في غالب الأحيان وبعدا لا أخلاقيا في أحيان أخرى: أما البعد الجنسي فتمثل في عرض النساء لمفاتنهن وتسابقهن في ملء المؤخرات والصدر باستخدام منتجات كيميائية قد تؤدي إلى تعرضهن لأمراض سرطانية مستقبلا. وأما البعد اللاأخلاقي فيتمثل في التشهير بالرذيلة وممارستها علانية والشعور بالفخر أثناء القيام بها، (أقصد بالرذيلة الكلام الساقط والإيحاءات الجسدية).
  • ثقافة الاستهلاك التي روجت لها جميع المؤسسات الإعلامية الوطنية والدولية ساعدت الرأسمالية في توسيع رقعة البيع والشراء أو توسيع رقعة التسويق، فأصبح الإنسان منقسما إلى قسمين: قسم يرغب في الربح ولا يهمه ما يقدمه للبشرية أهو مفيد أم ضار، وقسم آخر همه الوحيد هو الشراء واستهلاك ما يشتهيه دون الحاجة إلى معرفة ما إذا كان هذا المنتج الذي سيشتريه مضرا بصحته الجسدية والعقلية؛ أم مفيدا لها. وقد نجد صورا لهذا النوع من الناس في العائلات التي اعتادت اقتناء كل شيء من أجل لا شيء، فقط رغبة في الحصول على نظرة جيدة من الآخرين، أو من أجل إغاظة أشخاص ما أو بسبب الغيرة والحسد. وهذا منتشر بشكل واسع في صفوف النساء، فهن الفئة الأكثر تأثرا بثقافة الاستهلاك.
  • ويبقى المثال التوضيحي الأخير الذي سنتناوله هو انخراط مجموعة من الصحف الإلكترونية أو قنوات اليوتيوب أو بعض الصفحات في الدعاية للأشخاص التافهين، ولا يخفى علينا الكم الهائل من الشخصيات التافهة التي توجد داخل مواقع التواصل الاجتماعي؛ منها من يشتهر بالكلام الساقط، ومنها من يشتهر بالسب والشتم ورمي أعراض الناس بالباطل… وهناك مواقع إلكترونية ومنابر صحفية تدعي أنها منابر للشعب ومن الشعب وتحاول أن تميط اللثام عن أعراض الناس وتعرضها للعلن باسم “الصحافة” تلك السلطة الرابعة التي يجب أن تساهم في تنوير المجتمع بدل غرس بذور الجهل فيه. فإن كان الحديث ضروريا عن بناء ثقافة التفاهة، فلا مانع من القول إن السياسة لها يد ملطخة في هذا الأمر؛ خصوصا وأن المجتمعات العربية، والتي تعتبر كمجتمعات جاهلة تحكمها أنظمة ديكتاتورية أو أنظمة ديموكتاتورية، حيث تتلون فيها الدولة الديكتاتورية بغطاء الديموقراطية.

يبقى هذا السلوك بمثابة حركة دفاعية الغرض منها التملص من المسؤولية الملقاة على هذه الأنظمة، والتي تعتبر المسؤول الأول عن الحالة المزرية التي وصلت إليها الشعوب الجاهلة، من تدني مستوى الثقافة والوعي الاجتماعي. فترسيخ ثقافة التفاهة هو أسلوب جديد من أساليب طمس العقل أو إلغاؤه أو تخديره وشغله عن الأمور التي يجب ان يهتم بها، وهذا يفسر لنا بشكل واضح الأسباب التي تجعل من المجتمعات العربية مجتمعات جاهلة واستهلاكية بالدرجة الأولى، ومن ناحية أخرى تساعد هذه الآلية الدول التي ترغب في بقاء شعوبها نائمة نوم الطفل الرضيع، من السمات الأولى لبقاء الطغيان والعنصرية وجدلية السيد والعبد.

إن ثقافة التفاهة هي نوع من المخدر الذي لا تمنع الدول العربية والنامية تعاطيه، فهو يمثل آلية أيديولوجية لتسهيل فهم استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بالمقلوب. تؤدي أدلجة التفاهة دورا مهما في ترسيخ قيم الانحطاط والبعد عن الهوية التاريخية والثقافة الشعبية التي يتحلى بها بلد ما. فأدلجة التفاهة بديل مهم للدول العربية من أجل شغل الناس عن واقعهم      المرير، وأسلوب في طمس الصورة التي تميز بلدا ما عن الآخر، ومما لا شك فيه، فأدلجة وسائل التواصل ستكون بمثابة انحراف عن القصدية من تلك الوسائل.

فما هي المعالم الكبرى لأدلجة وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تلعب صناعة ثقافة التفاهة ذاك الدور المحوري في ترسيخها؟

إن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت أحد أهم الوسائل التي يمكن لها أن تقدم خدمات متنوعة في العالم، إلا أن الشعوب العربية بشكل عام استخدمتها بالشكل المقلوب؛ حيث أصبحت وسيلة للتفاخر والتباهي بالصور ومقاطع الفيديو التي تغري المتتبعين والمراهقين الذي هم أكثر عرضة لهذا النوع من التوجيه اللاعقلاني لوسائل التواصل الاجتماعي؛ فالشعوب اتخذت من وسائل التواصل ملاذا لترويج أفكار من قبيل الرفاهية، والمتعة، والسعادة هي ما يمتاز به صناع المحتوى من صاحبات “روتيني اليومي ” أو “مدوني الأشرطة المصورة”: فقد يتصورهم المراهق والشاب اليافع على أنهم أصبحوا أغنياء ويعيشون نوعا من الرفاهية بعدما كانوا فقراء في فترة معينة أو محدودي الدخل. فرواد وسائل التواصل الاجتماعي يذهبون إلى الترفيه والمتعة ويبحثون عن كل ما يمكن أن يشبع رغباتهم المشتعلة، وهذا بالضبط ما يحتاجه صناع المحتوى؛ فكأنه نوع من التجارة المربح، وإذا أردنا أن نحدد المعالم الكبرى لأدلجة وسائل التواصل فسوف نحصرها في الآتي:

  1.  استهداف صناع المحتوى للفئة الهشة من الناحية المعرفية والثقافية، وهذا لا يتم إلا بتوفير دعاية مفرطة لنمط العيش أو لمجموعة من الأفكار غير الاعتيادية أو عرض كل مكروه مرغوب فيه: كالفضائح أو الجرائم أو الرذائل وغيرها من الأمور الممنوعة، لكنها في المقابل تجذب العامة من الناس.
  2. تسخير جميع الوسائل الممكنة للترويج لهذا النمط الجديد؛ فصناع المحتوى يقومون بمقالب وتحديات ومواجهات ومغامرات تمثيلية بغرض جذب المتابع ولفت اهتمامه حتى يتابع الجديد أول بأول.
  3. حضور اللغة العامية أو البسيطة وفي بعض الحالات، عند بعض صناع المحتوى الرديء، يمكن أن تحضر حتى بعض الكلمات النابية أو الساقطة.
  4. عند صناع الفيديو طريقة جديدة وهي التسويق لبعض المحلات الفخمة والمتاجر مع أخذ منتجات مجانية، وكذلك استئجار غرف من الفنادق بالمجان مع إظهارها في الفيديو وهذا أخطر سلوك يقوم به من يسمون “اليوتوبرز”، فبعض المتابعين تتغلغل في أعماقهم حرقة المتعة حيث تستيقظ غريزة النقص مع عدم وجود جهاز “مناعة فكري” مما يجعلهم إما يلجؤون إلى نفس الأسلوب أو تتولد لديهم عقد نفسية بسبب الحالة الاجتماعية التي يعيشونها.

صناعة التفاهة ودورها في أدلجة وسائل التواصل الاجتماعي

يتم هذا من خلال غرس تلك الأفكار التي يبرزها صناع المحتوى الرديء في محتواهم الذي لا يقدم أية منفعة للمشاهد؛ بقدر ما يشحن المشاهد بأفكار سلبية وشيطانية تنزع عنه الحياء والحشمة وتجرده من القيم والأخلاق، وعندها يصبح المشاهد مجرد كتلة من الرغبات المشتعلة، وممتلئا بغريزة النقص. أما عن ترسيخ هذه الثقافة كأيديولوجيا جديدة تسري بين المجتمعات، فهذا الأمر يتم من خلال اللعب على النقص أو الحرمان الذي يعاني منه الفرد المستهدف؛ حيث يعمل صناع المحتوى على إيقاظ المكبوتات الداخلية لدى الفرد وإبرازها أو توهيم المتابع أنه يشبعها من خلال متابعة ما يقدمه له.

إن النقص في التربية، والنقص في المعرفة، والنقص في التدين، بمثابة تداعيات تجعل المتابع يسير في الطريق الخطأ. وقد يتساءل بعض المفكرين: لماذا هذه البدائل بدل إعادة توجيه الذات نحو تقويم النقص الذي تعانيه؟ والرد على هذا التساؤل هو أن المجتمعات الجاهلة هي بمثابة مجتمعات ضائعة، فهي مجتمعات تجمع بين الآفات كلها: آفة الفقر، آفة النقص، آفة الحرمان، وأهمها هي آفة الجهل. فآفة الجهل هي الدافع الذي يجعل المجتمعات الجاهلة لا تستطيع التمييز بين ما هو صالح وما هو طالح، فعقدة النقص هي عقدة ملتوية تجعل الشخص مجرد كتلة من الرغبات المشتعلة. وعقدة الحرمان تتولد عن عوامل خارجية تتفاقم بموجبها الآفة؛ فالفقر هو الراعي الرسمي للحرمان، ثم غياب صيغة المتعة كذلك هي راعي رسمي للحرمان.

من هنا، يمكن القول بأن جميع هذه العوامل التي ذكرنا هي عوامل ممهدة لوقوع المجتمع في فخ صناع المحتوى الرديء، فكما ذكرنا أن النقص والحرمان والجهل هي بمثابة تداعيات تجعل من الفرد عرضة للسير في الاتجاه الخاطئ، وهذا ما نقصده حينما نقول ترسيخ أيديولوجيا التفاهة أو ثقافة التفاهة، فعندما تضيع المجتمعات وتفقد القدرة على استخدام العقل فيما ينفعها فهي تكون عرضة للضياع. ومن هنا يبدأ ترسيخ ثقافة التفاهة، فصانع المحتوى الرديء يكون من بني جلدة ذاك المجتمع، وغالبا ما يفطن لعدم قدرة الآخرين على التمييز بين الصالح والطالح، أو في البعض الأحيان يكون قادرا على معرفة كيف يستغل ذلك النقص الذي تعاني منه فئة عريضة من المجتمع فيستخرج من محتواه مخدرا لينسيهم في واقعهم المرير، أو يقوم بترسيخ أفكار غير معتادة، أو سلوكيات غير متداولة وفي بعض الحالات تصل إلى أفعال طائشة وجنونية قد تؤدي لما لا يحمد عقباه.

ومجمل القول، إن صانع المحتوى الرديء يلعب على نقاط ضعف جمهوره حتى يلفت انتباههم ويغريهم بما لديه، أو حتى يعرض لهم أفكاره التي تزيد الطين بلة، بدل إصلاح ما أفسدته الأنظمة السياسية. وفي الأخير يبقى من الضروري الإشادة بالدور الفعال لوسائل التواصل الاجتماعي، فهذه الوسائل إذا ما تم استعمالها بالشكل الصحيح فهي فأل خير على روادها؛ فكما أن لها سلبيات إذا ما استخدمت بالشكل المقلوب، فهي سيف ذو حدين، لذا وجب التعامل معها بشكل عقلاني واستغلالها لتنمية القدرة المعرفية والمهاراتية والتثقيفية، كما يمكن أن تكون بوابة لولوج العمل الحر أو العمل الإبداعي.

1xbet casino siteleri bahis siteleri