’’يسألونك عن التوجيه، قل إنما التوجيه لمن يريده ويسعى إليه.‘‘ هكذا أجابتني أستاذة قديرة ومتميزة وذات تجربة كبيرة في المجال عندما تحدثت معها في الموضوع.
التوجيه في نظري هو أهم مكون لمرحلة تفصل حياة الإنسان بين المدرسة والدراسة، بين المراهقة والحياة العلمية والعملية، وبين التلقي والإنتاج. وبما أن هاته الفترة مفصلية في حياة الشباب، فإنها تستحق منا التركيز والدقة في التعامل معها. وبما أن الظروف تتغير باستمرار وكذلك الإنسان غير الإنسان، والزمان غير الزمان فإن على أساليب التوجيه كذلك أن تتطور وتتأقلم وتعصرن؛ فما نفع يوما ما في الماضي لا ينفع بالضرورة كله في المستقبل والحاضر، خصوصا في مجال سوسيولوجي وربما سيكولوجي يدور حول البشر.
جرعة أو DOSE للتوجيه الأكاديمي؛ هي ثمرة عمل مؤسساتي جماعي يهدف إلى تقديم أسلوب ومنهاج جديد للتوجيه صالح للاستعمال من طرف الموجهين كآلية تعينهم على القيام بالتوجيه والمواكبة الفردية للراغبين في خدماتهم. يمكن استعمال جرعة من طرف الطلبة أنفسهم دون الاستعانة بموجه وهو ما يطلق عليه التوجيه الذاتي.
يتطلب مثل هذا العمل الذاتي وعيا بالمستجدات وكذلك مستوى لا بأس به من الثقافة العامة التي تمكن صاحبها من التمييز بين المجالات المختلفة وكذلك القراءة بين الأسطر. لذلك، ينصح هنا الاستعانة بأصدقاء أو أقارب لديهم تجربة في أحد المجالات التي يهتم بها الطالب قصد الحصول على آخر المستجدات.
تنقسم جرعة أو DOSE والتي هي اختصار لجملة Démarche d’Orientation Structurée et Efficiente إلى خمس مراحل:
1. التحديد: Identification
هي عبارة عن جرد أولي لجميع الشعب والتوجهات والمدارس أو الجامعات وكذلك الدول التي يمكن أن تثير اهتمام الطالب نفسه دون غيرها، لكن دون فرز مسبق أو تصفية.
2. المرآة: Miroir
يتطلب هذا التمرين قدرا كبيرا من الصراحة مع الذات؛ يجرد الطالب من خلالها جميع مؤهلاته ونقاط قوته وضعفه كذلك من الناحية العلمية، والمعرفية، والصحية، والعائلية والمادية.
3.التحقق: Validation
بعد المرحلة الأولى والثانية، يمكن استثناء بعض الاختيارات التي تحتاج مثلا بعض المؤهلات التي كتبها الطالب في نقط الضعف، وبالتالي لا يستطيع أن يعول عليه فيها. وكذلك ترتيب الاختيارات حسب الأولوية وحسب قوة الحظوظ في السبيل إليها.
4. السفر إلى المستقبل: Projection
تمرين صعب بعض الشيء كذلك، لكنه ضروري، ويحبذ فيه الاستعانة بأحد أفراد العائلة أو الأصدقاء الكبار ذوي تجربة في الحياة المهنية. ويتمثل الهدف من هذا التمرين في الوصول إلى تصور لمهن المستقبل عموما و التحولات التي ستصيب الشعب أو التوجهات التي اختارها و تحقق منها الطالب في المرحلة الرابعة.
5. الموازنة: La balance
تتمثل في وضع جميع المعلومات الخاصة بكل اختيار ممكن، وكذلك المناحي الإيجابية والسلبية لكل واحدة وترك الكفة ترجح بدون تدخل في هاته المرحلة الدقيقة من العملية التوجيهية. بعد هذا الترجيح الطبيعي، يُطلب من الطالب وعائلته التحقق من المعلومات حول الشعب التي اختارها الطالب، وكذلك التحقق من المدارس أو الجامعات التي يمكنه التوجه إليها قصد الوصول إلى مبتغاه، ثم التواصل مع الطلبة القدامى الذين ساروا في طريق معين دون غيره قصد الحصول على معلومات عملية تساعده على فهم المشوار أكثر.
قبل أن أختم هذا المقال، أود أن أدعو الشباب للبحث عن المهن وأنواعها، وكذلك القيام ببعض التقييمات النفسية مثل IQ test أو Test de personnalité أو Test Enneagram التي تعطي لكل منا فكرة أدق حول شخصيته ونفسيته، وكذلك توجهاته الاجتماعية والذهنية، وسنتطرق إلى هاته الأمور في مقال آخر قريبا إن شاء الله.
