من أسوأ ما قد يمر على المرء فقدان شخص كان يعني له الكثير في لحظة خاطفة وبدون أي مقدمات، أن تفقد شخصا كالأم مثلا كأنك تفقد نبع الحنان التي كانت تجود علينا بها، تلك الإنسانة التي كان يرى في قسمات وجهها شريط عمره من أفراح وإنجازات وكل ما كانت لولا رحيلها أن تسعد به، وأن تفقد صديقا أو حبيبت عن غير قصد بتركه لك أمر آخر؛ إذ يجب أن نعلم أن البعض يتركنا لا بسبب عيوبنا أو أخطائنا، وإنما بسبب ما نحمله من مزايا وخصال حميدة تظهرهم على حقيقتهم وتشعرهم بنقص فيتامين “الثقة” لديهم، فبناء الثقة بالنفس لا يأتي ولا يكتسب بين ليلة وضحاها وإنما فن ومهارة يكتسبها الشخص مع مرور الزمن ومحاكاته مع عدة تجارب وانفلاتات تكاد تجهز عليه.
الفقد قاعدة من قواعد الحياة تلازمنا، ما دمنا نتنفس في الدنيا فيجب توقع احتمالية حدوثه في أي لحظة ومع أي شخص كيفما كان، فحين يحدث المتوقع يخف التوجع، كما أن الفقد لا يستثني أحدا، رغم مرارة الحقيقة إلا أنه من جانب آخر يعتبر من أسمى الأشياء إنصافا في الكون، فهو لا يفرق بين الغني والفقير ولا بين العجوز والصغير، ولا بين الرجل والمرأة، ما ينتج عنه في البداية اكتئاب شديد يسيطر علينا فندخل في دوامة لا مفر منها تفقدنا طعم العيش في الحياة وتنعدم الٱمال ونواسي الليل، وتروادنا فكرة وضع حد لحياتنا، في المقابل ننسى أننا سنترك نفس الجرح لأحبابنا ونفس المعاناة، إلا أن من واجبنا التعود على الفقد بنفس راضية، فهي قبل كل شيء إرادة ربانية، لولا الحزن لما علمنا يوما ما السعادة، تجربة رغم آلامها إلا أنها نتعلم منها المقوامة والتحمل؛ إذ يعتبر تخطي هاته المرحلة بمثابة انتصار لنا، فالحياة بكل بساطة تجارب ومحطات لا بد أن نمر منها مهما هربنا، فلا يوجد ما يسمى بسعادة أبدية تجرنا إلى العيش في راحة تنسينا أننا يوما ما سنصادف الحزن على غرار ما قد نؤمن به من قرارات تحتمنا الوقوف من جديد في قالب من حديد، لنتصدى لتقلبات الأحداث من فرح إلى مأساة.
في الختام لمن فقد عزيزا أقول لك لا تيأس، فمن صبر على ألم استبدله الله ب أمل يضيء لك قلبك وينير لك طريقك، قد تنتهي قصتكما. لكن، في المقابل تبدأ حياة جديدة مع أشخاص جدد، قد لا ترى ذلك إلا بعد فوات الأوان فلا تستعجل الحكم على مصيرك، فالصبر على فقد الأحبة ثمن نشتري به الجنة، ولا مناص من القول إن الفراق أمر محتم لا نعلم متى نبتلى به و أين وكيف!
استنادا إلى ما قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه”. كن شامخا قويا فهاته الحياة لا تستحمل الضعفاء.