الكتابة المنقذة!

هل سبق أن داهمك شعور بأن ما يخالج دواخلك من المشاعر العابرة والخواطر أو نوع من التأملات المركبة والمعقدة تجاه شيء ما، مكان ما، موقف ما.. يتعسر بل ويتعذر عليك نقله أو وصفه أو شرحه للآخر الذي يوجد بجانبك، خاصة إذا كانت هذه الأفكار تتخذ بعدا عميقا ذا أثر يلامس دواخلك مباشرة؟

صدقا، لا أخفي بأن هذا الأمر عشته مرات عدة في الآونة الأخيرة -خاصة- لأجدني حينما يتكرر هذا التزاحم داخل ذهني أهرع عن غير تفكير مسبق أو تخطيط إلى الكتابة وكأنني بذلك أهب لطلب النجدة أكتب وأكتب حتى أشفي الغليل، أفكر طويلا على فترات تتخلل أغلب يومي وهذا ما تستوجبه طبيعة النفس البشرية المفكرة، التي تميل للتأمل والتفكير في كل شيء حتى الرتيب من الأمور، المواقف والمشاهد العابرة كما يعتبرها البعض، إلا أنها ليست كذلك البتة. ففي أحايين عدة يتكرر المشهد لكن بأثر ووقع مختلفين على نفسيتنا نحن من يشاهد ويرصد.

مقالات مرتبطة

بعد فترة عشتها أسيرة لمتلازمة الورقة البيضاء -إن صح التعبير- كنت أثناءها أصاب بالرهاب من الكتابة خشية ألا يكون ما أكتبه مثاليا مطابقا لمعايير ما، لطالما قيَّد وهم المثالية طويلا عشرات بل ومئات الأفكار وحرمها من أن ترى النور، أصبحت مدركة وبشدة لقيمة الكتابة ومكانتها بل وأذهب إلى أبعد من ذلك، فقد أضحت ولو بالنسبة لي ضرورة.

خلال فترة الحجر الصحي العصيبة التي عايشها غالبيتنا سنة عشرين عشرين، كانت الفرصة سانحة أمامنا للتعرف على ذواتنا بشكل أكثر عمقا، للاستماع إليها وفهم ولو جزء بسيط مما يخالجها، باعتبار أن الوقت الذي كنا نمضيه برفقة ذواتنا طال أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما مكن العديد من إجادة التواصل مع الذات وحسن الإصغاء لها لتهذيب ما يجب تهذيبه، إصلاح مواطن الخلل، إزالة تراكمات من الماضي السحيق التي باتت لا تتوانى عن مداهمتنا يوما بعد يوم بطفو جزء منها على السطح، فتعكر بذلك صفو مزاجنا الصباحي أو تقتطع من لحظاتنا الثمينة.

كان للأمر الأثر الكبير العميق علي، والذي لا زلت أتبينه في أفكاري، وسلوكاتي واعتقاداتي، فوجدتني أعيد التعرف من جديد على من أنا؟ ومن أكون؟ على قيمتي الحقيقية أين تكمن، على أوهام وأحلام كانت تأسرني. كان هذا بمثابة رحلة التعافي الذاتي الذهني التي كانت الكتابة نقطة انطلاقها؛ الكتابة دون شرط أو قيد. إفراغ كل ما قد يعصف بذهنك، والتقليل من الضوضاء التي تعج برأسك بعد ما قد يعصف بك من أوقات مريرة عسيرة التجاوز أو مشاعر سلبية قاتمة تخيم على أفقك بظلامها البهيم. أحسست حينها بل وأيقنت يقينا جازما أن الكتابة انتشلتني، أنقذتني ولا زالت تنقذني في كل مرة من هوة سحيقة أكون على مشارف الارتطام بقاعها.

1xbet casino siteleri bahis siteleri