خلق اللَّه تبارك وتعالى الإنسان الطبيعي بنفس الخِلقة وصوّره في أحسن صورة، حيث يعتبر خَلق الإنسان من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره، وقد كرّمه الله على جميع الخلائق بما أنعم عليه من النّعم الكثيرة التي لا تعدّ ولا تحصى، وجعل في جسمه عدّة أجهزة وأعضاء مثل العين، الأذن، اللسان، القلب وغيرها، وكل عضو منها يقوم بوظيفة أو عدّة وظائف خاصّة، حيث تعدّ العين من بين الأعضاء البشريّة الحساسة في جسم الإنسان، وهي المسؤولة عن وظيفة الرؤية، وهذه المُهمّة ضروريّة جدََا من أجل الاستمرار والعيش بصفةٍ طبيعيّةٍ. فاللّهُ وهبَ للجميع نفس العين التي ترى جميع الأشياء من حَولها، ولكن النظرة لها تختلف من شخص إلى آخر.. فكلّ مشهد يحصل معنا في هذه الدنيا له زوايا مختلفة، تختلف حسب الظروف والأحوال، والواجب أن نرى الحياة من جانبها المُشرق بعينِ الرضا والقناعة والتفاؤل لعيش حياة طيّبة، لذا وجب على الإنسان أن يؤمن بذاته واثقََا بنفسه وقدراته لكي يرى الوجود جميلا، وتفتح له أبواب الخير من حيث لا يدري..
فأنت أيها القارئ العزيز، لا بدّ وأن تَبادَر إلى ذهنك في هذه اللحظة أو من قبل، سؤال: ما هو السبب أو الأسباب التي تجعل نظرة الناس مختلفة للحياة وكيفية التعامل مع أحداثها التي تتغيّر من وقت إلى آخر، والتي تتحكّم في حالتهم النفسية والمعنوية في أغلب الحالات!؟
يقول مصطفى صادق الرافعي:
سرّ السعادة أن تكونَ فيك القوى الداخلية التي تجعل الأحسنَ أحسن ممّا هو، وتمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مِمَّا هو.
فهذا يدلّ على أن التغيير والتجديد يجب أن يكون نابعا من دواخل الإنسان بنظرته المتفائلة للحياة وإصراره على تغيير نمط حياته من الأحسن إلى ما هو أحسن بكثير، وذلك عن طريق وضع خطوات إيجابية تُبْنى عليها مسار حياته بأكملها. وفي المقابل عند حدوث الأسوأ وجب الإصرار على تغييره أو التقليل منه بدل أن يرمي للقدر بكل ما حصل له وصادفه، بل مهما حصل معك من المشكلات والعراقيل حاول التغلّب عليها ومواجهتها بعقلانية واستغلالها كدرجات لبناء سُلّم النجاح المناسب للصعود نحو القمة المرجُوّة.
صحيح أن البيئة والمحيط الذي يترعرع فيه الإنسان لهم دور كبير في تنمية قدرات الفرد والعديد من المهارات التي من شأنها توسيع دائرة الأفكار الجيّدة والرؤية الواضحة للحياة التي تُمكّنه من اغتنام أصغر الفرص وأجودها التي تُتاح له بين الحين والآخر، وهذا ما يجعل الإنسان مختلفا عن الآخرين من ناحية الرؤية السليمة للحياة، فحياتك ستتشكّل كما رَسَمتها في مخيلتك، وكما خطّطت لها بإذن اللَّه، فالشخص الإيجابي هو الذي يستخلص من كل مشكلة فرصة للتطور والتحسّن.. فأنا لا أجزم أن كل ما نحلم به ونتمنّاه سنحصل عليه دائمََا، أو ما سنفقده سيجعلنا نندم ونيأس من الحياة، بل العكس، كلّ ما نمرّ به في مسيرتنا الحياتية سيكون مفيدََا لنا.. فإذا كان النجاح من نصيبنا، فرحنا به وتشجّعنا بالمضي قدمََا نحو الأمام إذا ما نظرنا له من منظور الرضا والقناعة الذي نستمدّه من خلال النظرة الإيجابية والمتفائلة للحياة، والقناعة بما نملك بين أيدينا لكي يبارك لنا اللَّه فيه. وإن فشلنا وأخفقنا تذمّرنا وكرهنا الحياة وانقلبنا على عقبينا، ومن ثمّ انصبّت علينا الهموم وحاصرتنا من كلّ الاتجاهات.. دون أن ننسى أنَّ الأشخاص الناجحين في حياتهم، هم كذلك تعثّروا وواجهوا عدّة عقبات وطعنات وإخفاقات، لكنهم يؤمنون أنّ الاخفاقات وإن توالت أو طالت ما هي إلا مجرد هزيمة مؤقتة أو سبب لتغيير الخطة، التي ستمكنهم من خلق فرص النجاح الحقيقية التي ستقودهم للانتصار بإذن اللَّه، وأن أعظم النجاحات هي التي نحصل عليها بعد أشقّ العثرات، لذلك يواصلون المحاولة بنظرة إيجابية لجميع الأشياء، ويجدون حلاَّ في كل مشكلة لتحقيق أهدافهم المرجوة رغم كل الظروف وكذلك دون الاكتراث لنظرة الناس لهم.
فديننا الحنيف يحثّنَا على الرضا بما قسمه اللَّه لنا، والدنيا لن تكمل لأي شخص على وجه هذه الدنيا الفانية، ففي الرضا بما قسمه اللَّه للعبد غنََى وسعادة لا مثيل لها، لن يستشعرها ذاك الإنسان المتشائم القنوط الذي لا ينظر في أمور هذه الدنيا إلا بمنظارٍ أسود قاتمٍ، الذي يجعل حياته سوداوية، كلها أحزان ومصائب وأمراض.. فالكمال لِلَّه وحده، كما يقول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: “وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ” رواه الترمذي.
وهنا أريد أن أضيف وأوضّح أن الرّضا ليس الاستسلام لواقع يمكن تغييره بالعمل وسلك سبل النجاح والسعي نحو القمّة، والأخذ بكل الأسباب الممكنة للمضي قدمََا لتحقيق الأهداف المنشودة لعيش حياة سوّية طيّبة.. بل الرضا هو تلك القوّة والشحنة الإيجابية التي تتولَّد لديك عندما تسقط في الدراسة، تخفق في إنجاز عمل أو لم تُوَفَّق في تحقيق هدف.. فترضى بما قسمه اللَّه لك بدون تذمّر وحزن، بل تملأ قلبك بالإيمان في كل الحالات واليقين بأن اللَّه سيرزقك بما هو أفضل بكثير، فالأهم إيّاك ثم إيّاك أن تنهار عند آخر خطوة في طريقك فلم يتبقّ لك إلاّ بضع خطوات للوصول، بل تَمَسّك بحلمك إلى آخر الرمق..
وفي الأخير، سأختم مقالي هذا بموقف عن معنى الرضا بما قسمه اللَّه تعالى لنا. كان هناك رجل يطوف حول الكعبة ويقول: يا ربّ هل أنت راض عني؟ وكان يطوف وراءه الإمام الشافعي، فقال له: يا هذا، هل أنت راضٍ عن اللَّه حتى يرضى عنك؟ فأجابه الرجل : يا سبحان اللَّه! كيف أرضى عن اللَّه وأنا أتمنى رضاه؟ قال الإمام الشافعي : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن اللَّه.