الشباب… ظاهرة معقّدة

472

شاهدت يوماً لقاء صحفيا للمفكر وعالم النفس مصطفى الحجازي تكلم فيه عن فئة الشباب وتأثير العلم على النضج، وقد وصف مرحلة الشباب على أنها ظاهرة… وظاهرة معقدة جداً. وبناء على ما أشار إليه فقد وصف مرحلة الشباب بالعديد من الخصائص الهامة التي تميزها عن سنوات الطفولة وعن المراحل التي تليها مما أدت إلى تفردها وتميزها.

إن الشباب يختلفون باختلاف شريحتهم الاجتماعية، هناك فئة من يولدون وملعقة من ذهب في أفواههم، صحتهم النفسية والجسدية متينة، يحصلون على إعداد علمي متين، هم نفسهم أبناء رجال الأعمال وأصحاب المهن الحرة أو المضاربات العقارية، بفضل آبائهم يملكون القدرة على ضمان الأهلية المجتمعية؛ المهنة والقدرة على الانخراط داخل المجتمع.

أما الشريحة الثانية فهي شريحة الكادحين، تلاميذ المدارس العمومية وطلاب الجامعات، أبناء الفقراء عموماً.. صحيح أنهم كادحون لكنهم جادون ومجتهدون، يتميزون برغبتهم في تطوير ذواتهم والسعي نحو تحقيق أهدافهم، يملكون كفاءات لكن لا يتمكنون من الحصول على فرص، وبالتالي يعانون من صعوبات أو التأخر المفرط في بلوغ الأهلية المجتمعية. هم نفسهم جيل الثورة الذين يدخلون في الأحزاب والانتفاضات هم الجيل الثائر الذي يراهن عليه داخل بيئتهم من أجل التغيير السياسي في المجتمع.

مقالات مرتبطة

أما الشريحة الأخير وهي الشريحة التي وُصفت بشباب الظّل الذين لم يتمكنوا من متابعة دراستهم. غالبيتهم يرشدهم ذويهم نحو أصاحب الصنعة ليكتسبوها بدون أي إشراف تقني، هؤلاء يظلون في الأخير مهمشين داخل محيطهم الاجتماعي، غالبا ما تجدهم على كراسيهم في واجهة الأحياء يعانون من شتى أنواع التهميش لعدم الاعتراف الاجتماعي بهم والذي يدفعهم ليصبحوا وقوداً للعنف وممارسة التسلط ليثبت لنفسه وللآخرين أنه سيد الساحة وملكها.

ومن جهة أخرى، في السنوات الأخيرة أصبحنا نلاحظ على مواقع التواصل الاجتماعي بعض برامج البودكاسات والفيديوهات العالمية التي تصنف ضمن تطوير الذات والتي أغلبها تتضمن قصصا لشباب تمكنوا من الوصول إلى الاستقلالية الذاتية في سن أقل من 18 سنة، يقومون بسرد طرقهم لبلوغ هذه الاستقلالية. وغالبا وأنت ترى قصصهم تقع في متاهة المقارنات إلى قلق خبيث إلى حد يجعله قادرا على إفساد مساحات شاسعة من حياتنا.

وبعيدا كل البعد عن قصصهم، إذا رجعنا فقط إلى محيطنا العائلي وبالضبط إلى قصص آبائنا الذين حصلوا على الاستقلالية المالية والاقتصادية في سن صغير… إلى قصص رجال وسيدات الأعمال الذين نشاهدهم على المنصات الإعلامية أو إلى رجال السياسة وغيرهم.. تجعلنا نتساءل عن ماذا حصل؟ وكيف حصل ذلك؟ وهل حرقوا المراحل بتخليهم عن الطفولة والمراهقة مقابل العبور إلى الرشد مباشرةً؟

لكم شدني قولة أن الشباب ظاهرة وظاهرة معقدة جداً وتركتني أفكر تفكيرا عميقاً.. جاءت في وقت شاخ فيه الدماغ من قوة ضغط التفكير والقلق والسعي إلى تحقيق المكانة، لكن ما يجب أن نكون متيقنين منه أن الوصول إلى الأهداف والحصول على الاستقلالية الذاتية ليس بالشيء ميسر على الإطلاق كما تصوره لنا مواقع التواصل الاجتماعي أو ما نراه داخل محيطنا… إن التفاصيل التي يحرص الناس على إظهارها سواء على أرض الواقع أو على المواقع، ليست حقيقية، وجزء كبير منها ما هو إلا الجانب الجميل والمبهر فقط.
إن الوصول يكلف كثيرا، يكلف مجموعة من التجارب، الصراعات والعقبات، الفرح والحزن، وأحيانا خسارات وجدانية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri