كثيرة هي الأفكار التي تُرَاود الإنسان دائمََا وأبدََا طيلة يومه، أو خلال أيّامه المتوالية، وبالخصوص عندما يكون الفراغ مستوليََا على حياته بدون دراسة ولا عمل ولا ممارسة هواية مُفضّلة.. كما يعلم الجميع، فالإنسان بين أخذ وردّ، وكدّ وفرِّ في هذه الحياة التي نعيشها منذ ولادتنا مرورََا بكل فتراتها، فهي مليئة بكل أنواع الاضطرابات النفسية والمشاعر السلبية وأسراب كثيرة من المشاكل التي قد تؤثر على نفسيته بشكل كبير أو نسبياً حسب شخصية الإنسان وبيئته وكذا ظروف نشأته ونمط عيشه، مِمّا يؤدّي إلى ضعف إنتاجيته سواءََ على مستوى الذّات وكذا المجتمع.
إن العدوّ اللّذوذ للإنسان هو أفكاره السلبية وكثرة التفكير، تلك الأفكار السيّئة والمزعجة التي تراوده في أيّ وقت وحين، تجده يكثر من التفكير في جميع الأمور رغم قِلّة أهميتها وكذا تفاهتها، كالخوف المبالغ فيه من الفشل في مشروع ما، الخوف من الرسوب في الامتحانات، الخوف من فقدان وظيفة، والخوف من زوال النعم.. وهذا ما يتسبب في إرهاق الذهن وإجهاد النفس، مع ضياع الوقت والجهد في التفكير بأسوأ الاحتمالات والنتائج التي من الممكن أن تحدث حسب تخيّلاته، أو بالنظر في الجانب المظلم لِكلّ شيء، إلى الحدّ الذي يصاب فيه الإنسان بالوسواس القهري، القلق والاكتئاب.. ومن ثمّ يسلب منه النوم ويفقد لذّة العيش الكريم كما يتمنّاه الجميع، فهذا ما هو إلاّ مرض نفسي يؤدي إلى هلاك المرء يوما بعد يوم دون أن يدري بصعوبة الأمر…
فالتفكير السلبي الدائم، ما هو إلاَّ دمار شامل للنفس البشرية عبر مراحل متعددة، إذ يبدأ هذا الأخير بالسيطرة على الجانب الإيجابي للإنسان يومََا بعد يوم دون أن يستشعر هول ما هو فيه وماصار عليه.. فهذا المرض يؤثر بشكل كُلّي على الإنسان نتيجة المعاناة من تلك المشاعر التي تسبّب له الضغط بشدّة وتمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي وسليم، فهي تجعله يفقد الحماس وتشعره بأنّه ضعيف غير قادر على القيام بأبسط الأمور، بل وتقف حائلاً أمام حصوله على الكثير من الفرص المناسبة والمتاحة له، ومن ثمّ تعيق نجاحاته وتقلل من مهاراته. إضافة لما سبق، فالأفكار السلبية المزعجة تسبّب الكثير من المشكلات الصحية والنفسية، ومن ثمّ التأثير على بناء شخصية الإنسان، وتجعله محاطًا بالأفكار التشاؤمية التي تُدمّر ذاته بكل تفاصيلها، نتيجة عدم القدرة على التركيز الجيّد، واتخاذ القرارات الصائبة والمهمّة، ممَّا يؤدي إلى اضطرابات كثيرة في علاقته مع ذاته أولاََ وإلى خلق مشاكل في تعاملاته مع عائلته، محيطه والمجتمع ثانيََا.
فتجد الإنسان رغم تشبثه المستمرّ والمتواصل بالتفاؤل والأمل بالله تعالى خلال الظرفية الحرجة التي قد تأتي عليه دون إشعار ولا سابق إنذار، والتي يمكن وصفها بالغيمة الشديدة السواد، لكن مع فرط التفكير السلبي وعدم استشعار عظمة الخالق، تظنها أنها لن تمرُّ وأنّه الوحيد المُبتلى في هذه الدنيا. لكن لو فوّض المرء أمره كلّه لِلَّه، سيدرك أنها قريبََا ستمرّ أو ستمطر وتزول كأنّها لم تكن.. إلاّ أننا في بعض الأحيان نفقد السيطرة على أنفسنا ونضيع البوصلة وهذا أمر طبيعي في حياة الإنسان، تأتي علينا أوقات صِعاب ولحظات القنط ونغوص في عالمِِ مليء بكل أنواع التحسّر والتذمر.. لا يسعنا فيها إلا اللجوء إلى اللَّه تعالى والرضا بما قسمه لنا، فيا ربّ كن لنا معينََا وثبتنا وقوينا على تجاوز كل المِحن والصعوبات ونحن بخير وصحة وسلامة يارب.. ولا بدّ من الأخذ بالأسباب والإيمان باللَّه، والتوكّل عليه في كلّ الأمور الدينية والدنيوية، لعيش حياة سوّية بذهن صافٍ ومتوازن، ورضا تام عن النفس.
يجمع خبراء علم النفس على أنَّ الإنسان في حياته بصفة عامّة مُعرّض لضعف الإرادة والتفكير السلبي بين الحين والآخر بسبب كثرة الانشغالات، الواجبات العائلية، العمل وظروف الحياة المتقلبة.. هنا يتأثر الإنسان إذا كان إيمانه ضعيف وثقته بنفسه قليلة أو منعدمة، فالثقة بالنفس والإرادة القوية هما السلاحان الأساسيان لتخطّي عقبات الحياة، بعد التوكل على الله. يعتبر ضُعف الثقة بالنفس، والإحساس بالعجز الدائم في تنفيذ أغلب الشؤون والخدمات الضرورية في حياة الإنسان من بين الأمور التي تعصف بالمرء من حيث لا يدري، نتيجة التفكير السلبي والنظرة السوداودية للحياة.. إنَّ أفكارك هي المرآة التي تنظر من خلالها للعالم، فلا توسّخها بالأفكار والتصرفات السلبية التي ستؤثر على نمط حياتك الغالية من خلال حالتك المزاجية والنفسية.
وفي الأخير، وجب على كل إنسانِِ عاقل أن لا يقلق مطلقًا بشأن الأفكار والمعتقدات السلبية المحاطة به، بل عليه أن يتجاهلها قدر الإمكان بالتوكل على اللَّه في كل الأحوال، ولا يحاول السيطرة عليها فهي ليست شيئا ملموسََا يمكن حبسها داخل قفص أو رميها في سلّة المهملات للتخلص منها. بالإضافة لذلك، يجب عليه أن يتخلص من الرفقاء السوء الذين يفسدون عليه متعة الحياة وكل ما من شأنه أن يشعره بالسوء تجاه نفسه.
فأنت أيها القارئ الجميل كلّ ما عليك فعله هو البدء بالتفكير الإيجابي في كل لحظة ويوم للتركيز على إنجاز أهدافك وأحلامك، وغرس أكبر عدد ممكن من الأفكار الجديدة الجدّية، للخروج من دوّامة الأفكار القديمة المُمِلّة، فوجود أفكار جيّدة في حياة الإنسان أمر ضروري لها عدّة مزايا تؤدي إلى تحسين مستويات حالته النفسية والمعنوية ومن ثمّ المادية في الأخير، لأن إنتاجيته في دراسته أو ميدان عمله ستزداد تلقائيََا، ومن ثمّ سيجعل لحياته معنى وهدف يعيش عليه بالأمل كل يوم، فعندما تبدأ بالتفكير في الأفكار المناسبة لأهدافك، فمن الأرجح أن تُطوّر نظرتك المتفائلة للحياة وسوف تجذب المزيد والكثير من الأفكار الجيدة التي ستساعدك على تنفيذ خُططك وتحقيق طموحاتك، وفي النهاية وتلقائيََا ستختفي تلك الأفكار السلبية السوداء وستحلّ مكانها الأفكار الإيجابية بإذن اللَّه تعالى..
فقط املأ قلبك باللَّه وأحسِن ظنّك به، فكلُّ من تفاءلوا بالخير وَجدوه..