طفلي يرفض الذهاب إلى المدرسة.. كيف أتصرف؟

1٬523

مع كل موسم دراسي جديد، يشتكي بعض الوالدين من صعوبات تواجههم مع أطفالهم عند التحاقهم بالمؤسسة التعليمية، فيعيشون مشاعر قلق، وخوف وتوتر تنعكس على كلا الطرفين بآثار سلبية، سواء بالنسبة لمن يخوض التجربة لأول مرة أو لمن سبق له الاستفادة من مرحلة دراسية سابقة.
ورفض الذهاب إلى المدرسة من بين أكثر وأهم المشاكل التي تواجه بعض الأسر بالأيام الأولى من السنة الدراسية، وقد يحدث الرفض والامتناع عن الذهاب بعد فترة من التأقلم والاندماج والتفاعل، الشيء الذي يضع الوالدين أمام عقبة يصعب تجاوزها ويتساءلون عما يتوجب القيام به لتهدئة أطفالهم ومعرفة الأسباب الكامنة وراء رفض الذهاب وكذا طرق التعامل مع الموقف.

يعتبر رفض الطفل وامتناعه عن الذهاب إلى المدرسة كتعبير عن خوف وقلق يجتاحه، فيؤدي به لاستعمال آليات ووسائل للتعبير عن هذا الرفض، من قبيل البكاء والصراخ والرفض علانية، وقد يتمظهر الرفض في صورة آلام تجتاح جسده كآلام بالبطن، أو الشعور بالرغبة في القيء، أو آلام بالرأس وغيرها. وقد يصل الأمر لحد التبول اللاإرادي أو التغوط بملابسه، وإن تمكن من الدخول إلى المدرسة والالتحاق بأنشطة الفصل فعدم الرغبة في الدراسة أو المشاركة في اللعب مع أقرانه وعدم التركيز في الأنشطة تبقى أهم ملاحظات مربياته وأساتذته طيلة فترة تواجده بالمؤسسة. وكل هذه الأعراض ومظاهر الرفض هي مظاهر حقيقية بسبب إحساس بعدم الأمان وخوف الطفل وقلقه الزائد، إنما قد تختفي نهائيا عند أي تراجع للوالدين عن اصطحابه إلى المدرسة.
يقودنا ذلك لطرح السؤال الأهم، لماذا يرفض الطفل الذهاب إلى المدرسة؟

في الغالب يحدث الرفض نتيجة مجموعة من الأسباب:
أولها: وجود أعراض قلق أو نمط شخصية قلقة لدى الطفل، والتي تولدت نتيجة عدم التعاطي بشكل إيجابي مع قلق الانفصال الطبيعي الذي يعيشه الطفل كل صباح ذهابه إلى المدرسة، وبالتالي يتزعزع استقراره وأمانه النفسي المتمثل بوجود أبويه أو أحدهما. كما تزداد أعراض القلق لدى الطفل أيضا مع كثرة التحذيرات المبالغ فيها من طرف الآباء، كتحذيره من ضرب أصدقائه، أو مربيته أو أستاذه له، أو من احتمال سرقة أدواته ومستلزماته، أو من نتائج عدم الانتباه والتركيز والإجابة عن أسئلة المعلمة والتفاعل مع أنشطة القسم، وغيرها من التحذيرات التي لا تزيد الطفل إلا مزيدا من الغوص في بئر القلق وتراجع ثقته بنفسه وبالآخرين. كما قد يحدث القلق نتيجة ارتباطه بحدث شرطي، كتجربة سيئة عاشها بالمؤسسة في اللسنة الماضية مع أقرانه أو مع أحد طاقم المؤسسة التربوي أو الإداري، أو نتيجة خوف من/على أمه أو أسرته لموقف سابق تعرضوا له وهو بالمؤسسة. فيحدث الارتباط الشرطي ويمتنع الطفل عن الذهاب إلى المدرسة قلقا وخوفا، إما من تكرر نفس الموقف أو حفاظا على أمان واستقرار الوضع عند الآخرين.

مقالات مرتبطة

ثانيها: المشاكل الأسرية من طلاق، وانفصال، وشجارات يومية وعدم توافق بين الوالدين، لها دور أساس وخطير في تزويد حدة قلق وخوف الطفل وتعرضه لمواقف رفض الذهاب إلى المدرسة. لما تحمله من تهديد لأمانه النفسي والتوافق الأسري، فيخشى مثلا أن يعود من المدرسة ولا يجد أمه أو أباه بالمنزل أو يخشى انفصال والديه فيمتنع عن الذهاب لأنه لا يود أن يتشاجرا أو يترك أحدهما المنزل أو غير ذلك.
ثالثها: تعبير الطفل عن التمرد نتيجة ولادة طفل جديد بالأسرة، أو تغيير في مكان السكن أو الانتقال إلى مؤسسة أخرى، فيعكس التمرد مشاعره وانفعالاته تجاه موقف لم يتمكن من التعبير عنه بشكل مباشر، ويعتمد التمرد كحيلة دفاعية لاشعورية تجاه ضعفه الدراسي أو مشكلة سلوكية لديه نتيجة أسلوب والدي معتمد.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن من أهم الخطوات التي ينبغي القيام بها لتفادي مشكل الرفض وتحقيق دخول واندماج بالحياة المدرسية بشكل سليم، هي التهيئة والاستعداد القبليين للالتحاق بالمدرسة؛ إذ يخفف ذلك من قلق الانفصال ويضفي جوا من الهدوء والطمأنينة على كلا الطرفين من والدين وأطفال، كما يمنع بشكل كبير احتمال تعرض الطفل لحالة خوف أو قلق غير اعتياديين عند تواجده بمحيط مؤسسته الجديدة.
فكيف يتم تحقيق ذلك؟

أولا: الاستعداد، أي تهيئة الطفل للمدرسة معنويا ونفسيا، فالخوف من المجهول -مما ينتظره بالمدرسة كمحيط جديد، ورفاق، ومربيات، وأساتذة وطاقم إداري، وطبيعة التواصل والتفاعل المعتمدين بالمدرسة- هو من أكثر المخاوف شيوعا لدى الأطفال، لذلك يجب الحرص على تلبية حاجته للأمن والأمان عبر إعداده مسبقا للحياة المدرسية.
ثانيا: تحلي الأسر بالهدوء، والإيجابية والثقة يساهم بشكل كبير في نقل وتعزيز مشاعر التقبل وعدم القلق لدى الطفل. فساعد طفلك بتقليل توترك وخوفك-الطبيعي- من عدم قدرته على الانسجام والتأقلم مع محيط المدرسة، حتى تُسهل عليه اجتياز خطواته الأولى بأمان وثقة.
ثالثا: لا بأس في البقاء مع الطفل لفترة وجيزة بالمؤسسة حتى يهدأ قليلا، وفي هذه الفترة ينصح بخلق جو من الألفة مع مربيته، وأساتذته وأصدقائه لمساعدته على سهولة التواصل معهم، مع تجنب مغادرة الطفل من دون إعلامه وإخباره بضرورة ذهابك وأنك ستعود لأخذه في وقت محدد.
رابعا: ضرورة الالتزام بمواعيد مغادرة المؤسسة، خاصة إن تم منح الطفل وعدا بالحضور لأخذه بتوقيت محدد. فالتأخير في موعد الانصراف يزيد من حدة القلق لديه ويجعله غير مطمئن لوفاء الوالدين بوعودهما، وبالتالي يجعل الذهاب إلى المدرسة أصعب.
خامسا: تجنب العصبية والانفعال لفظيا أو جسديا أو عقاب الطفل لتعريض الوالدين أو أحدهما لتأخر بعمله.
سادسا: تعزيز السلوك الإيجابي للطفل وإثابته على ذلك معنويا، كما يمكن الاستفادة من لوحة التحفيز لتشجيعه على انطلاق يومه بنشاط.
سابعاالإبداع في إيصال المشاعر وتعزيز روابط المحبة والثقة بين الأبوين والطفل، عبر اعتماد رسالة محبة مثلا –يتم رسم قلب على ورقة صغيرة أو كتابة كلمة أحبك أو أية كلمات أو رسومات لها دلالة بينكما وتركها بمحفظته من دون أن يطلع عليها قبل دخوله إلى المدرسة-، أو الاستفادة من خياله وتعزيزه بالاتفاق سوية على ما يمكن فعله إن اشتقتم لبعضكم البعض –مثلا يتم الاتفاق على أنه حين تفتقدون بعضكم البعض، تقومون بحركة معينة كضمة للجسد أو أية حركة تعبيرية تخيلية تساعد الطفل على الإحساس بالأمان والحب وأنتم بعيدون عنه-…
ثامنا: منح الطفل الاهتمام والحب، ومشاركته تفاصيل وأحداث يومكم وكيف تغلبتم على بعض المصاعب، حتى يتمكن تدريجيا من التعود على التعبير عما يخالج صدره من مشاعر إيجابية أو سلبية، ويبادلكم ويشارككم تفاصيل يومه.
تاسعا: الإكثار من العناق الذي يعود على الوالدين والطفل معا بمشاعر أمان ويساهم في تأسيس علاقة صحية بينهما.
عاشرا: الاستعانة بلوحة روتين قبل النوم وروتين الاستيقاظ أو الصباح، واعتمادهما بمشاركة الطفل في إعدادهما، كخطة عمل يومية تخلص الأسر من زوبعة ما قبل النوم ومهرجان الاستيقاظ.

كل هذه الخطوات وغيرها تبقى حبيسة حروفها إن لم يتم الاقتناع بداية بأهمية الاستعداد النفسي وتهيئة الطفل للمدرسة، مع الصبر ثم الصبر والإيمان المطلق بضرورة عقد علاقة صحية وسليمة مع الطفل، والوعي بحاجاته النفسية والبحث عن أسباب وطرق حل المشكلات التي تعترض سير مراحل نموه، لتوحد الجهود من أب وأم وطاقم المؤسسة الدور الأساسي لتحقيق دخول مدرسي إيجابي والتغلب على مشكلة رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة.

نتمنى لكم ولأطفالكم سنة دراسية موفقة وسنة هدوء وطمأنينة وحب.