كيف أحقق توازني النفسي برمضان؟
كلنا يقين بأن رمضان هو محطة للتزود الإيماني الروحاني الخالص ونقطة تحول وانتقال جديدة بحياتنا مع كتاب الله والقيام بطاعاته، إن نحن أحسنا النية وشمرنا عن سواعدنا ووضعنا الهدف نصب أعيننا واشتغلنا للوصول إليه. وإيمانا أن هذه الفرصة الربانية ليست حكرا على أداء العبادات فقط، بل هي شاملة لكل جوانب الحياة وتفاصيلها لتحقق بذلك التوازن بين الجسد والنفس وتتخلص من كل ما لوثها من سموم وإحباطات وطاقات سلبية.
هي معركة حقا بين ما يتطلبه الجسد أو بالأحرى ما عودناه عليه وما تحتاجه النفس لتناضل بدورها مع شقيها الإيجابي والسلبي، لتنتهي المعركة بكبح جماح شهوات الجسد ورغباته الأرضية والسمو بالنفس وتغذيتها بكل القيم والمثل العليا السماوية. فكيف السبيل لذلك؟
دعونا إذن ننطلق مع أفكار وتطبيقات عملية تحقق جوهر الأمر وتلبي حرصنا على الاستفادة من هذه الفرصة الرمضانية المتميزة.
•• لنؤكد بداية على أمر في غاية الأهمية وشخصيا أعتبره أساس وركيزة صحتنا النفسية، والذي يكمن في ضرورة تصحيح وضحد الفكرة النمطية السلبية السائدة عن شهر رمضان. فحكم الصيام أسمى من أن يكون مجرد إمساك عن شهوات البطن والفرج أو تكليفا يفوق قدرة تحملنا النفسية أو الجسدية.
فبمجرد الاستسلام للأفكار اللاعقلانية السائدة بمجتمعاتنا من ربط فعل صيام بتقلص معدل صحتنا النفسية، يسهل معها التعرض لكل ما يكدر صفو النفس ويؤثر على اتصالها وتزودها بالطاقة الربانية الخالصة.
•• تعزيز الصحة النفسية برمضان (وبغيره أيضا) يتوقف أيضا على درجة الوعي والإدراك بالتكامل والترابط بين الجوانب والمستويات الخمس (الروحية والنفسية والعقلية والجسمية والسلوكية) وأن نموها وغذاءها رهين بمدى عمق وقوة ارتباطها واتساقها.
•• جدد نيتك دوما لتحصل على دافع قوي لانطلاقة أقوى تجاه رحلة عقد الاتصال مع الخالق سبحانه وتعالى وللقيام بالعبادات والطاعات، فهي المؤشر والمحفز لسلامة الطريق والرؤية الواضحة. هذا التجديد سيمنحك ترياقا تجاه الطاقات السلبية فيعزز لديك قوة الإرادة ويحمي طاقتك الروحية.
•• تحديد الأهداف هي من بين أهم خطوات تعزيز الصحة النفسية، من أجل تجنب استنزاف الجهد والوقت ولرفع الكفاءة الذاتية وإيقاظ الدوافع الكامنة وتجميع الطاقة وتوجيهها في منحى محدد لتكون أقوى وتحقق بشكل أفضل. ومن أهم شروط نجاح الهدف أن يتم تحديده وفق معرفة الفرد بنفسه، بمعنى أنه يتعين علينا بداية خوض رحلة استكشاف وتعرف على ذواتنا (على إيجابياتنا وسلبياتنا ونقاط تميزنا وقدرتنا ومهاراتنا ونجاحاتنا وإخفاقاتنا) لتتضح الرؤية ونتمكن من التغيير والخروج من منطقة الأمان التي تقيدنا.
خذ ورقة وقلما ودون كل ما ترغب بتحقيقه بالأيام المتبقية من الشهر الفضيل سواء على المستوى الروحي أو النفسي الشخصي أو الأسري أو الاجتماعي أو الصحي والجسمي أو العقلي والمعرفي أو العملي والمهني… مع الأخذ بعين الاعتبار باقي الشروط من واقعية وإيجابية مطلقة وتحديد المدة الزمنية وتجنب المبالغة والحماس الزائد أو رفع سقف التوقعات لكي لا ننكسر أمام فشل أو إحباط لعدم قدرتنا على تحقيق هدف ما.
•• من الضروري جدا أن نحدد أولوياتنا ونرتبها عبر جرد كل المهام اليومية التي نزاولها بالأيام العادية (الروتينية) ونرتبها من الأهم إلى المهم بشكل مرن وسلس يتناسب وقدراتنا واستعداداتنا وارتباطاتنا وظروفنا أيضا.
•• تنظيم الوقت وإدارته تحقق انخفاضا في معدل الضغوط النفسية بالبيت والعمل وجل المسؤوليات اليومية، كما تحسن نوعية الحياة وترفع معدل الثقة بالنفس وتحقيق الذات من خلال المشاعر الإيجابية التي تترتب عن إنجاز الأهداف والالتزام بها.
ضع جدولا يوميا يضم الأيام المتبقية من شهر رمضان الكريم، وحدد فيه بكل وعي كافة مهامك وأنشطتك وعاداتك اليومية الرمضانية والعملية (سواء كنت تقوم بها أو تخطط لإضافتها لروتينك اليومي)، ورتبها حسب الأولويات والأهمية، واكتشف اصرارك ومدى التزامك بها وكن مرنا في التطبيق والفاعلية.
يمكنك أيضا إعداد ورقة مهام يومية تقوم بملئها كل ليلة لتدير وقتك للغد بشكل مريح وتنظم بها مشاغلك ومسؤولياتك بشكل متوازن وفق ظروفك وإمكانياتك وتوفر عبرها طاقتك وتتجنب الوقوع بمواقف تفقد فيها التحكم بذاتك وبواجباتك.
•• نوع بعباداتك حتى لا تسقط بالملل او تضعف وتفقد الرغبة والدافع القوي تجاهها. وكن مرنا وتجنب المبالغة في البداية والحماس الزائد أو رفع سقف التوقعات حتى لا تنصدم بعدم قدرتك على الاستمرارية.
•• جميل جدا أن نستغل وقتنا برمضان باكتساب عادات جديدة سواء كانت صحية أو معرفية أو نفسية، وأن ندرب أنفسنا على اضافتها لقاموسنا اليومي من أكل صحي أو تحكم بانفعالات أو مطالعة وبحث أو استرخاء ورياضة أو كتابة ورسم أو الالتزام بصلاة الفجر أو التعود على الابتسامة أو القيام بأعمال اجتماعية وخيرية، وغيرها من العادات التي لا يشترط فيها سوى أن تتناسب وشخصيتنا وقدراتنا وأن تعود علينا بالمزيد من السعادة والمتعة والطاقة الإيجابية.
•• تدبر وتأمل ما حولك من جميل خلق الله تعالى وآياته في الأرض وبكتابه العزيز، ليرتفع وعيك وإيمانك وامتنانك للخالق تعالى. اجعل كتاب الله رسائل مباشرة لك لتتزود بها من المنبع الأصلي وتستعين بها بدهاليز دروبها. وغذي عقلك بما ينفعه ويرفعه.
•• رمضان فرصة لا تعوض للتحكم بانفعالاتك السلبية والسيطرة على ذاتك وتوجيهها نحو بر الأمان، عكس ما يروج له فما هي إلا أفكار تتناقض وروح ركن الصيام. تعرف على أسباب انفعالاتك السلبية الحقيقية وغير أفكارك اللاعقلانية، فهي مصدر حالاتك الوجدانية الغير المتوازنة، لتحصل على مشاعر إيجابية فتتصرف باتزان وتحكم ذات.
•• عزز شعورك بالسعادة مع الآخرين عبر رضاك عن نفسك أولا (والذي يتحقق بمعرفة الذات) ومراجعة علاقتك بهم ومشاركتهم أنشطتهم ومتعتهم. أحط نفسك بالمتفائلين المحتسبين أمورهم لله تعالى الحامدين الشاكرين لنعم الله عليهم مهما قلت أو كثرت. اشحن نفسك وإياهم بكل جميل لتزداد قوة وحيوية ورغبة في الخير والإحسان.
وأخيرا وليس آخرا، اجعل هدفك الاستمرارية والاستدامة في الأعمال، فرمضان هو الزاد والمحرك السنوي. ولنكن ربانيين إيجابيين بكل وقت وحين فتلك هي رسالتنا وأساس تواجدنا.
وكل رمضان ونحن بألف خير..