أحلام على أوتار القمة تعزف

دائما ما أجد نفسي أحلم أحلاما على أوتار القمة تعزف، وعلى أنغام الإرادة ترقص، وما إن أسقطها على أرض الواقع أجدها بعيدة بل مؤجلة… أحلام لم يعانقها لا تفاؤل ولا إيمان ولا سند الحياة، فتبخرت في جوها واندثرت.

علمونا منذ الأزل أن فاقد الشيء لا يعطيه، وها أنا على نقطة الانطلاق وها هي أحلامي في الكفة الأولى من يدي، وإرادتي، إيماني، وشغفي في الكفة الثانية، وها أنا أمام مشقة الطريق قبل الوصول وأعلم جيدا أنه يجب علي أن أتهيب صعود الجبال لكي لا أعيش أبد الدهر بين الحفر.

في منتصف الطريق بدأت أسمع رنين الإحباط من القريب، وبدأت أتضايق من سخرية البعيد، مما جعل ربيع الأمل يتحول إلى خريف اليأس، وجعل الظهر ينحني والأيادي ترتجف لتتسلل منها أحلامي وأراها بعد ذلك تتساقط أرضا أرضا. أحلام كتبتها بماء الروح على دفتر ذكرياتي ودللتها كأنها عرائس من نور لتصبح بعد ذلك براكين تنصهر بداخلي.

ابتلعت دموعا لا أريد أن أحتسيها في حضرة أحد، وظل همي مسجونا داخل صدري فلم يسبق لي أن فكرت في إطلاق سراحه، منذ زمن طويل لم أشكُ لأحد همي أيا كان، بل وأصبحت الكتابة هي ذاك الوثاق الذي يربطني بالفرج نسبيا بعد الله سبحانه وتعالى، فكلما تسرب الحزن إلى قلبي شكوت همي على الورق.

ما زلت أتذكر جيدا موقفا حصل معي في أيام السلك الابتدائي من مسيرتي الدراسية، سألنا أستاذ اللغة العربية عن ماذا نريد أن نكون في المستقبل. فلما بلغ دوري أجبته: أريد أن أصبح مهندسة طيران.. فرد علي بسخرية: ألا تريدين أن تصبحي مهندسة صواريخ! بما أنكم جيل يطير مثل الصواريخ. ليتني قتلته آنذاك (أمزح فقط)، فهذا أيضا يعتبر نوع من الإحباط بطريقة أو بأخرى وهو كفيل بأن يحول الحماس الذي بداخلك إلى بخل.

ناهيك عن نوع آخر من الناس، حين تجالسهم وتبدأ في سرد أحلامك وأهدافك لهم راجيا منهم سمع كلمة (واصل!) إلى أن تجد نفسك في نهاية المطاف تكمل الحديث لوحدك وتجدهم شرعوا في بداية حوار جديد بينهم يخص مثلا: سيارة فلان أو منزل فلانة أو لا أحد ينصت لك، لا أحد يسمع صوتك الداخلي، وحتى إذا سمعوا لك فسوف تسمع جملتهم الشهيرة :ماذا؟ تريد أن تصبح…؟ (لبس قدك يواتيك يا صديقي..) تحلم كثيرا، كلماتهم لا تسمن ولاتغني من جوع، باردة كبرودة ليالي ديسمبر وكأنهم يرتشفون من كأس الجهل صباح مساء، بخلاء حتى في إعطاء جرعة تحفيز لمن يحتاجها؛ فالتحفيز كالوقود الذي يدفع السيارة للأمام حتى تصل إلى وجهتها، عندما تفقد وقودك سوف تجد نفسك عائدا إلى عاداتك السيئة مرة أخرى، سوف تتوقف عن متابعة أحلامك، وسوف تعود سريعا متقوقعا داخل دائرة راحتك. لكن هذا لا يعني أن الناس كلهم متشابهون، فالناس عوالم وقارات ومحيطات، منهم من اعتاد على أن يميت الموهوب لا أن يحييه، ومنهم من يمسك بيدك ويساندك.

وفي هذا الصدد، ما زالت كلمات المدرب المتألق وليد الركراكي عالقة في ذهني، حين قال: (خاصك تحلم باش توصل، خاصك تشوف بعيد وتحط أهداف كبار باش توصل…)، فالحياة من دون أحلام وأهداف كالطير من دون أجنحة. الإضافة الجميلة للحياة هم أناس يأتون على هيئة نماء فكري، عقلي ووجداني. فائدة محضة، ونكهة رائقة تحلي طعم الحياة، وتقاسيم لطيفة تخفف حدة وجه الأيام الشاحب. ابتسامتهم المشرقة تغرس فيك فسائل بهجة، وكلماتهم تصب الحنية فيك صبا، تتكاثر هرمونات السعادة في داخلك عند الحديث معهم، وتتزايد معدلات الرضا في نفسك عن الحياة بمن فيها. هم النكهة اللذيذة التي وضعها الله لهذه الأرض، وهم التفسير المنطقي للإيجابية، والمعنى الحقيقي للإنسانية، كلمة طيبة منهم تشفي الغليل وتطمئن القلب، ولقد بين الله عز وجل في كتابه الكريم فضل الكلمة الطيبة وسموها، حيت قال جل جلاله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 24-26] في نهاية المطاف، الناس محطات أيضا، تارة تعبر المحطة المناسبة، وتارة أخرى تعبر المحطة غير المناسبة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri