غدا بين التفاؤل والتشاؤم

كما جرت العادة، عندما أخلد إلى النوم كل ليلة وقبل أن أغمض عيناي، يستضيفني كل من التفاؤل الذي ينام على يميني والتشاؤم الذي ينام على يساري في حوار صحفي شيق ومؤلم أحياناً، تركض فيه مجموعة من الأسئلة عن الغد في مخاض عسير، كل منهما يتفنن في إقناعي أن غدا يومه وأنه صاحب السطوة وسلطان زمانه، لا أخفيكم حكايات التفاؤل أجمل، تزيل عنك تعب وجه الأيام الشاحب، أما حكايات التشاؤم فأكثر واقعية أو فضائحية إن شئت.

يستهل التشاؤم الحوار بأسلوبه المرعب والمقنع في نفس الوقت:
لا زلت تطمعين في غد أجمل يا سارة؟
لا يسعدني أن أخبرك بأن اليوم (أكفس) فما بالك بالغد، فبناء القصر يتطلب أساسا صلبا، في زمننا اليوم أصبحت النية الطيبة غباء والخبث ذكاء والإبتسامة مصلحة، زمن تسود فيه الشعوب المهمشة، الفقيرة، العارية، المريضة…. ومع ذلك لا يجنون نسب المشاهدة العالية، لا يجذبون الحوارات الصحفية. تلك النسب العالية، تلك الحوارات الصحفية تجذبها الأجساد الفاتنة العارية، تجذبها العقول الفارغة الخاوية، تجذبها الإعلانات الكاذبة وقصص العاهرة الزانية… زمن يعرض فيه الشواذ على الرحب والسعة وتستثنى فيه المواهب والأعمال السامية. زمن أصبحت فيه النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حراما ومبدأ (دخل سوق راسك) حلالا، يا بشر! ألم يقل لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم “وإذا استنصحك فانصح له”؟ ألم يأمرنا الله عز وجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ كما جاء في كتابه الكريم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. أمتنا اليوم أصبحت حمقاء، أصبحت غبية منقادة كالأنعام بل  كما البعير ،يتفننون في تقليد الغرب لا أحد يتشبت بأصوله، عروبته، مبادئه ودينه، الغرب يفكرون وينتجون وأنتم تقلدون وتستهلكون، عقولهم أصبحت جامدة بل وأصبحوا كالببغاء. زمن أصبح فيه القابض على دينه ومبادئه كالقابض على الجمر.

مقالات مرتبطة

لا زلت تطمعين في غد أجمل ياسارة؟
لا أخفيك أن زمننا اليوم ولدت فيه مفاهيم سامة تتأرجح بين النسوية والذكورية مما خلق عدوانية خطيرة بين الذكر والأنثى. ولا أخفيك أيضاً، أن مجتمعنا اليوم لا يزال فيه أصحاب الإجازات وأصحاب الشواهد الدراسية يعانون من البطالة، يذرفون الدموع الغزار، مثقلون بأوزار الهواجس المحطمة، ويصرخون كنا نريد وطن نموت من أجله فصار لنا وطن نموت على يده. مجتمع يكسر الزجاج ويتساءل من أين أتت الشظايا؟

ألا زلت تطمعين في غد أجمل؟
وماذا عن الثورة؟ هل سنبني الجدران من جديد ونسميها ثورة؟
الثورة هي عندما لا نكون في حاجة إلى أن نستورد حتى أكلنا من الخارج… الثورة هي عندما يصل المواطن إلى مستوى الآلة التي يسيرها، لذا أصبح اليابان يابانا وأصبحت أروبا ماهي عليه اليوم.
خلاصة القول، إن القلب ليشهق وإن العين لتدمع والأمل يتساقط تباعا مع نثرات الدموع، أتكلم بحرقة لأني إنسانة وأملك قلبا وغيرة على البلد، ولأن حب الوطن من الدين، ولأننا مللنا التستر وحجب ضوء الشمس بمنديل.

تنفست الصعداء وتنهدت تنهيدة الحزن والتي أصبحت لغة تترجم أوجاعا بداخلي، ثم إلتفت يمينا فوجدت التفاؤل يبتسم، فسألته عن رأيه فيما قاله التشاؤم، ابتسم واثقا وهمس في أذني مادمت مع الله صدقيني أن غدا أجمل، طال الزمن أم قصر ستنتهي الحروب يوما ما وسيعود الزيتون فلسطينيا، واللحن عراقيا، والبن يمنيا، والياسمين سوريا، ويعود العز عربيا والنصر إسلاميا، بعدها إطمئن قلبي ونظرت في سقف الغرفة، إستعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثم فعلت كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم نمت على الجهة اليمين حيث التفاؤل.