المرض الصامت الذي أصابنا جميعا

هنالك مرض صامت من أشد الأمراض فتكا وهتكا أصابنا جميعا دون أن نشعر، مرض ليست له أعراض لكنه ينخر الروح والجسد في صمت، يقتل الراحة ويسرق السعادة، أنه مرض التعود على النعم، أن تألف النعم وكأنها ليست نعما، تفقد الإحساس بها واستشعار قيمتها وكأنها مجرد حق مكتسب.

نعم غالبيتنا مصابون بهذا المرض الصامت ومتأصل فينا وظاهر في أفعالنا وأقوالنا دون وعي منا. فكم من مرة استيقظنا فيها متذمرين ولم ندرك أن الله قد وهبنا يوما جديدا آخر لنحيا فيه، لأنه وفي اللحظة ذاتها قد يكون أحدهم سلبت منه فرصة الحياة بسبب مرض أو حرب. نقوم ونتوجه الى إلمغسلة، نفتح صنبورا فتتدفق مياه عذبة لتتخلل أصابعنا، نغتسل ونمضي في سبيلنا دون أن نستشعر قيمة كل تلك القطرات المتهاطلة بين أيدينا والتي حصلنا عليها دون كد أو جهد.

ففي الوقت الذي يظهر فيه الصنبور مجرد جزء بسيط من تفاصيل حياتنا الروتينية العادية فهو ليس كذلك بالنسبة لبعض الناس. وقس على ذلك كل ضروب الـمِنن وصروف النِّعم السابغة التي تجددت لدينا، فلو أخذنا مثال الصحة، دعونا لا نتحدث عن الصحة بأكملها، نأخذ جزءا بسيطا منها، مثلا القدرة على تحريك اليدين والقدمين للقيام بكل ذلك الروتين الصباحي من النهوض من السرير، التوجه إلى الحمام والاغتسال وأخذ الأغراض إلى مد اللقمة إلى الفم، فهذا الأمر نقوم به كل يوم لدرجة أننا لا ندركه حيث نفعله تلقائيا، رغم كل التعقيدات الفيزيائية والفيزيولوجية والعضلية والعصبية وملايين الخلايا والسيالات العصبية التي تتحرك في تناغم من أجل أن نقوم بهذه الحركات البسيطة بشكل مستقل، رغم ذلك نعتبرها عادية من المسلمات، ولكن حين تفقد هذه الحركة وتصبح غير قادر على تحريك يديك أو قدمك أو كلاهما تدرك فعلا كم أنت محظوظ.

مقالات مرتبطة

فالعبدُ إذا تفكر، أدركَ أنه مغموسٌ في الكثير من النِعمٍ الحسِّيَّةٍ وأخرى معنوية، فيجد أنه منغمسٌ في نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة الشم ونعمة تذوق الطعام والإساغَة له فقد أدرك العالم بأسره كيف هي الحياة بدون هاتين الملكتين البسيطتين في ظل وباء كرورنا للذي اجتاح كل بقاع هذا الكوكب.

نحن البشر بطبعنا لا ندرك قيمة الأشياء حتى نفقدها أو نوشك على فقدانها، فعندما تكون بين أيدينا نتعود عليها ولا نشعر بقيمتها الحقيقية وكأنها مسلمة وربما نسيء استخدامها أيضا. لكن عندما نفقدها ونرى الفرق الذي كانت تحدثه تلك الأشياء عند وجودها وعند فقدانها ندرك تماما ما كنا نملك.

إذا سئلت عن حالك فلا تقل “لا جديد!” فأنت في نعم كثيرة لا تحصيها، قد جددها الله لك في يومك هذا وحرم غيرك منها في اليوم ذاته. فلِلَّه على العبد مِنَّةٌ في كلِّ عِرْقٍ ساكن وكل ذلك من كمال فضله ولُطْفه بخلقه. فاحذر أن تألف النعم وقيدها بالشكر حتى لا تزول. فالشُّكر صَيدٌ للمفقود وقَيْدٌ للموجود.

1xbet casino siteleri bahis siteleri