سامح لأجلك!

السلام مبتغى ثمين غال، فالأمن في الجسم والعقل والنفس نعمة لا ثمن لها وقد يدفع المرء مقابلها هجرة آلاف الكيلوميترات، ومن الناس من دفع مقابل الأمن حياته واختار أن يضحي بأمنه الشخصي لأجل الوطن ولأجل الأجيال اللاحقة، ولا ننكر أنه من الناس من لم يدفع ثمنا لأمنه، ولم يدرك له قيمة، ولد آمنا ومات آمنا، شاءت له الأقدار أن يزداد في دولة بمفهوم الدولة القانوني، وأبعد مشاكلها الهجرة السرية، وعلى نفس الكوكب تتنفس دول تحت الأنقاض، أجنة زرعوا في بطون أمهاتهم وسط جو الحرب والدمار بل أحيانا كانوا نتائج لقلة الأمن، وازدادوا على أصوات الرصاص وماتوا في أحواض من الدماء.

معادلات صعبة التفسير، لكننا نحن المسلمون نجد لكل هذا وذاك تفاسير من ‘يماننا وتديننا على تفاوت درجاته بيننا؛ تفاسير تخمد لهيب الأسئلة المنبعثة من غريزة المقارنة والبحث عن العلل، والكد في التنقيب عن العدالة الإلهية بين الأحداث اليومية. تختلف درجات الأمن وحدته من واقع إلى آخر كما أن الأمن في أساسه كمفهوم يعتبر شاملا، تختلف الصورة الملموسة منه على حسب النافذة التي تنفذ إليه منها، فلو طرحت الأمن في جنوب أفريقيا كالصومال مثلا لرأيت أن الأمن الغذائي هو أهم أمن يجب أن يهرع المجتمع الدولي لتحقيقه وأنه لا حياة دون أمن غذائي حقيقي بمقومات موزونة، ولو نفذت إلى تعريف الأمن من خلال شوارع بورما وكنت تدين الدين الإسلامي لوجدت كل أمانك في طقوسك الدينية من صلاة وصوم وحج.

أستحضر هنا الواقعة التي حدثنا بشأنها موسى بن مروان الرقي حيث قال: “حدثنا المعافى بن عمران عن صفوان بن عمرو قال: حدثني سليم بن عامر قال: قدم عمر رضي الله عنه الجابية فقضى بين الناس، فلما أظهر توجه إلى أبي عبيدة، ثم قال: نحو منزلك يا أبا عبيدة، فقال: مرحبا وأهلا يا أمير المؤمنين، ثم سبقه أبو عبيدة إلى منزله، فلما دخل قالت امرأة أبي عبيدة: مرحبا يا أمير المؤمنين، قال: فلانة؟ قالت: نعم فلانة .قال: والذي نفس عمر بيده لأسوأنك.

قالت: إياي تعني؟ وقالت: والله ما تقدر على ذاك، فأعاد عليها مثل قوله، وأعادت عليه مثل قولها، فغضب، فلما رأى أبو عبيدة غضبه، قال: بلى والله يا أمير المؤمنين إنك لتقدر على ذلك، فقالت: والله ما هو على ذلك بقادر، قال عمر رضي الله عنه: إنك لتدلين بدالة.
قالت: هل تستطيع أن تسألني الإسلام فتذهب به؟ قال: لا والله، قالت: فلا والله ما أبالي ما كان بعد، فقال عمر رضي الله عنه: أستغفر الله، ثم سلم فانطلق.”، فلعل ما نستشفه من المحكي سلفا والذي يصب مجرى موضوعنا هو أن كل الأمان عن سيدة هو أن لا تمس في إسلامها، بل وأن إسلامها هو كل أمانها، وأنها تجاوزت مفاهيم الأمن الملموسة…وتتعدد زوايا مقاربة الأمن كمفهوم حسب الحالة لنتحدث عن مفاهيم مركبة كالأمن الغذائيّ. الأمن الفكريّ، الأمن الاقتصاديّ، الأمن المعلوماتيّ، الأمن الماليّ…، يمكن أن يكون أيضا وسيلة ضغط سياسية فبين الرضوخ والنضال يكمن الأمن أو عدمه، فإن اتفقنا أنه لا بد بالأساس دون الأمن أن يضحي الفرد بمجموعة من الأمور ليكسب أخرى داخل الجماعة تحت ما نسميه بنظرية العقد الاجتماعي.

ولعلي أسلط الضوء على سلامنا النفسي كأهم أمن يجب أن نناضل من أجله داخل مجتمعات حققت إلى حد ما أهم مفاهيم الأمن ولو اقتصر ذلك على فئات محدودة ولكنها تبقى قيد الحساب والاعتبار، فالسلام النفسي سلام يمكن تحقيقه من خلال مجموعة من الأساليب أهمها الاهتمام بما هو روحي: فعلاقتك بربك مهما كانت ديانتك أو شاءت أن تكون فالجانب الروحي أمر مهم وأساسي جوهري في تحقيق الأمن النفسي الروحي، والاطمئنان الداخلي، ثم العلاقات والتعاطي مع المحيط والأحداث الجارية في الحياة اليومية بين العمل والأسرة وكل ما يكون الأيام من مشاعر وانفعالات، فكلما استهلكت أكثر من هرمونات كان الغرم عليك أكبر وأعظم، سواء بالشكل الإيجابي أو السلبي، المهم أن التأثير متغير بتغير الاهتمام الشخصي بدواخل وتفاصيل الأمور وأستحضر هنا معادلة جاك كانفيلد (jack canfield): “E + R = O”

  • E: تعني Environment ومعناه المحيط الخارجي.
  • Reaction :R ومعناه ردة فعلك تجاه هذا المحيط.
  • Outcome :O ومعناه النتيجة في واقع الحياة.

يشكل المحيط في التأثير على نفسيتك حسب الكاتب جاك نسبة %10 فقط، على أن ردود فعلك تجاه هذا المحيط تشكل نسبة %90. سامحوا أنفسكم، سامحوا محيطكم، سامحوا فقط، ليس لأن الخصم يستحق، لا بل لأنكم تستحقون أمنكم النفسي، وأختم بقول الشاعر: والعفو عند لبيب القوم موعظة *** وبعضه لسفيه القوم تدريب.

1xbet casino siteleri bahis siteleri