منبه السعادة

متى كانت آخر مرة شعرتم فيها بأنكم سعداء؟ متى أحسستم بسهام السعادة تصيب قلوبكم وتغمرها فرحا وحبورا؟ أكانت مناسبة مميزة طال انتظارها؟ أم شراء هاتف فاخر لطالما حلمتم بامتلاكه؟ قد تكون هذه الأمور سببا في سعادتكم، لكن هل شعرتم أنها تلاشت واختفت بمجرد العودة للحياة اليومية الرتيبة؟ مثلا هل حدث أي شيء أسعدكم اليوم؟
بمنأى عن السيروتونين والدوبامين وغيرها من الهرمونات المنخرطة في كيمياء السعادة، فأول محطة في رحلة العثور على السعادة هي تحديد ما تمثله لنا خارج المنظور البيولوجي البحت، لأننا قبل كل شيء مخلوقات ذوو مشاعر وأحاسيس، تميل إلى ما يجعل أفئدتها طيورا تغادر قفصها وتشدو في الأفق، ويأذن لأجسادها بالتحليق بين السحب.
في دراسة أجريت في كلية الطب بجامعة هرفارد لمعرفة تأثير ظروف النشأة وتجارب الحياة في نمو البالغين وصحتهم وسعادتهم، وذلك عبر تتبع حياة مجموعة من الأشخاص على مدار أكثر من 80 عاما، توصل العلماء إلى خلاصة مفادها أن العلاقات الاجتماعية الجيدة، وليس المال والشهرة، هي ما يجعلنا أكثر سعادة وأفضل صحة.
إذن السعادة الحقيقية ليست بعيدة المنال، إنها بداخلنا، إنها ما نختار أن نجعله مفتاح فرحنا، لكن وجب البحث عنها، فكما لا يبلغ النهر الراكد المحيط، مقارنة بالنهر الجاري دائم التدفق والتجدد، كذلك الإنسان المقبل على الحياة بكل تفاصيلها سيجد السعادة التي ينشدها.
مقالات مرتبطة
لو أن للسعادة منبها يرن في كل لحظة نشعر فيها بالسعادة، منبه يوقظنا من غفلتنا ويجعلنا ندرك مكمن هذا الشعور، لكان أسهل علينا إيجاده وإدراكه، وأيسر على قلوبنا المضطربة أن تهتدي إليه، لكن لاضطررنا لإسكاته أكثر من مرة، بل مرات عديدة في اليوم الواحد، مرة عند الاستيقاظ، ومرة عند تناول وجبتنا المفضلة، ومرة عند مشاهدة برنامجنا المفضل، ومرة عند استنشاق رائحة أرض روتها أمطار ليلية غزيرة، ومرة عند إيجاد نقود مفقودة في جيب معطف قديم، ومرة عند لقاء أحباب طال فراقهم.
أمام رناته المتواصلة، سنظن أن المنبه به عطل أو خطب ما، لكن ما فعله هو عين الصواب، فكل فرحة مهما كان حجمها أهلا للشعور والاعتزاز بها، وكل لحظة فرصة جديدة للحاق بقطار السعادة. يذكرنا هذا المنبه الحكيم بهذه الحقيقة، وبحقيقة أنه لا يمكن إيجاد السعادة حيثما تكمن التعاسة، إذ لا يمكن إيجادها في قلب متعلق بما يؤذيه، وفي روح بعيدة عن خالقها، وفي عقل منشغل بالآخرين، وفي نفس لا تزكى بالفن والأمل والإبداع ولا تغتنم ما تجود به الحياة من فرص فلا تسعد ولا تسعد الآخرين.
السعادة هي الأمور اليومية الصغيرة التي لا نعيرها انتباها لتعودنا على انتظار ما هو أعظم لنكون سعداء، والحال أن ضالتنا كانت طوال الوقت أمام أعيننا منتظرة أن تشق طريقها إلينا متى ما سمحنا لها بذلك، ترقب إنصاتنا لمنبهنا الداخلي الذي يخبرنا أن وقت السعادة هو الآن، لا البارحة ولا الغد، ولا يوم تحقيق أبلغ أهدافنا ومتمنياتنا. كما جاء في حديث رسولنا الكريم: “من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”.
وعودة لسؤالي المطروح في البداية: ما الذي جعلكم سعداء اليوم؟ ربما مصادفة صديق قديم، أو رسم ابتسامة على ثغر غريب، أو ربما أثناء قراءة هذه السطور.
1xbet casino siteleri bahis siteleri