من كان يعبد رمضان…

لا يعبد الله في رمضان بالصيام وكثرة الصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتهليل فقط … هذه العبادات ينتفع بها خصوصا من كان يعبد الله قبل رمضان وليس من تصادف أولى سجداته أول أيام الصوم.
الكثرة تعين من إعتاد على ذلك في ما سوى رمضان؛ الكثرة مستحبة بل مطلوبة في هذا الشهر بعد أن يكون للإنسان رصيد يومي من الأعمال، يزيد عليه تدريجيا طوال هذه الأيام والليالي المباركة، كي تعطيه دفعة جديدة لينشط في عبادته بعد إتمام شهر الصيام.




ما نراه من إمتلاء المساجد بشكل مفاجئ، والصيام الجماعي والحرص على قراءة القرآن بسرعة في العمل ووسائل النقل والمتاجر لحصد الختمات أمر جيد جدا يوحي بأن الناس على صلة برب الناس ولو كانت هذه الصِّلة شخصية لا يمكن أن يطّلع عليها أحد وغير مرتبطة بهذه الأعمال الإستثنائية على مدار العام.
أظن أن خلال هذا الشهر الفضيل، كونه يكسر العادات ويسهل العبادات ويعطي للإنسان متسع من الوقت في فترات الإسترخاء قبيل الأذان وبعد الإفطار وفي سكون الليل، يجب أن نطرح بعض الأسئلة الجوهرية، نتأمل فيها ونأخذ وقتنا لكي نجيب عليها : لماذا خلقنا ؟ لماذا نعبد ؟ إذا كنّا نؤمن حقا بهذا الدين فلماذا نعيشه شهرا في السنة عِوَض أن نعيش على مبادئه ومقاصده طوال السنة ؟ هل نكون بعيدين عن الله في الشهور الأخرى ونعود إليه في رمضان ؟ أم أننا نقترب منه أكثر في رمضان ؟ ما هو دور الدين في حياتنا ؟ هل نفهم هذا الدين ؟ هل نحن مسلمون حقا ؟ لماذا نكف عن الأكل والشرب طوال النهار، طوال شهر كامل ؟ لماذا نذهب لنصلي مع الناس ؟ لماذا نتحول بعد العيد ؟ … الإجابة على هذه الأسئلة هي نقطة التحول؛ التفكير في أصل الحياة؛ معنى الحياة وما بعد الحياة؛ التأمل في أصل الدين؛ معنى الدين ومقاصده. هذا هو الهدف من رمضان ولهذا يعتكف الناس ولهذا يعتزل الناس بعضهم البعض … وليس بكثرة القيام والصيام وتلاوة القرآن ثم الإنقطاع عن هذا كله طوال السنة؛ فعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله قال : ” أدومها وإن قل “وقال “اكلفوا من الأعمال ما تطيقون”. وقال بعض السلف: ما بلغ من بلغ عندنا بكثرة صلاة، ولا صيام، ولكن بسخاوة النفوس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة.

مقالات مرتبطة

عندما يدخل شهر رمضان نلاحظ تغيرات مفاجئة في تصرفات الناس. فالذي كان يضحك معك على شيء البارحة أصبح عُبوسا اليوم أمام الشيء نفسه بحجة أن ذلك سيفسد عليه صومه، والذي كان يسمع معك أغنية ما يرفض قطعا أن تلامس أذنه هذه الكلمات اليوم؛ وهذا يحدث غالبا خلال الأيام الأولى من هذا الشهر لأن الحماسة لا تدوم طويلا.




هذه النظرة التجزيئية التقزيمية إلى رمضان على أنه مجموعة من القوانين التي تمنع بعض الأشياء خلال النهار لمدة شهر كامل دون الأيام الأخرى هي نفسها النظرة التي ترى الدين على مجموعة من الأوامر والنواهي و”إفعل” و “لا تفعل” فقط، وهي نفسها النظرة التي تكون لدى الموظف في أي شركة أو إدارة بحيث تكون تصرفاته خارج العمل مغايرة تماما عما هي عليه وهو بين أروقة المصلحة . الدين أوسع بكثير من كل هذا، والله أكبر بكثير من أن نراه كآمر ناهي يعاقب على الصغيرة والكبيرة لكي تمشي الأمور كما ينبغي، ورمضان أكبر من ضرورة أن نتحول بين ليلة وضحاها من إنسان لا يصلي تماما ولا يتفوه إلا بالكلام النابي إلى إنسان يصلي الخمس في المسجد، قليل الكلام، يطيل في قراءة القرآن ويلهج بذكر الله ليلا ونهارا سرا وعلانية.
هذا التحول الغير المنطقي والغير صحي غير دائم … لأن الله يعرف بالعقل والقلب وهذه المعرفة تأخذ وقتا ويلزمها تبصر، قد يكون رمضان نقطة إنطلاق وتحول وبداية وأول منزلة من منازل السائرين ومدارج السالكين وطريق الصالحين، كما أن هذا الدين ينتمى إليه بحب وإخلاص وهذا يأخذ وقت كذلك لأنه يسر ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه كما ذكر ذلك في الحديث
رمضان فرصة لتطهير النفس من الشوائب والأمراض والعقد وتمرينها وتدريبها، رمضان فرصة لكي نجلس مع أنفسنا نتأمل في خالقها ونطرح أسئلة قد لا نجد لها أجوبة خلال الشهر كله. أسئلة قد تؤرقنا السنة كلها ولكنها يجب أن تطرح. رمضان مناسبة لكي نتغير فعلا، نحو إنسان يعبد ما يعبده المجتمع، إلى إنسان يعبد الله ولو كفر به المجتمع



1xbet casino siteleri bahis siteleri