إن احتكاكنا اليومي مع مختلف الأشخاص منهم الغرباء والأقرباء يجعل معظمنا في مواجهة العديد من المواقف، يسهل علينا أمرها أحيانا، ونعجز عن امتلاك تلك السيطرة التي ندعيها في أحايين أخرى، فكل منا يكون ضحية أو مذنبا، ولا أحد معصوم من الوقوع في الخطأ.
نظن أن الحياة خالية من المشاكل والصراعات ولا يتخللها اليأس والحزن، لكن إذا استحضرنا واقعنا، سنرى أن الحياة عبارة عن صعود ونزول في سلم العقبات مع مرور الأيام، لكننا مجبرون على أن نعيشها بخيرها وشرها، هذه سنة الحياة وهذا ما يقصد به الله عز وجل “الإيمان بالقضاء والقدر خير وشره”.
يظل الإنسان هائما في الحياة بحثا عن الكمال في الأشخاص والأشياء التي نتعامل معها، وهو أمر يشبه طلب المستحيل من قانون الطبيعة، ونستمر في وضع صور نمطية للأشياء والأشخاص، وكيف يتوجب على الأحداث أن تسير، وكيفية تعامل الطرف الآخر الذي نقابله وتصرفاته معنا، دون نسيان تلك التوقعات الخيالية التي تجذف ضد الواقع وتغطي حقيقة ما نحن عليه في الأصل، فينتهي المطاف بالمرء في الانعزال عن الواقع وانعزاله عن محيطه والمجتمع ونفسه أيضا. لا يرضى أن يعتريه النقص ولا يقبل التعامل مع كل شيء، يشتكي النقص ويجب على الأحداث أن تسير في هذا المنحى الغريب.
أما حقيقة الأمر، فهي أن فن العيش يكمن في بحث الإنسان عن راحة باله وسعادته وسيطرته على أفكاره التي تسودها المثالية والخيالية، والاقتناع والايمان بأن الكمال لله عز وجل، وتعلم فن “التطنيش” وممارسته بإتقان في حياته اليومية، والتغاضي عن أخطاء من يتعامل معهم وما يدور في محيطه، لأن الأمور لا تسير دائما على النحو الذي نريده ونخطط له، فبعض المواقف تحتاج منا إلى ممارسة فن “التغابي” لنستمر، وهذا يعتبره البعض ضعفا من الشخص أو قلة الحيلة وأنه مرادف للغباء، فالحقيقة عكس ذلك تماما، ففن “التغابي” قوة هادئة، سلسة للتعامل مع المواقف التي تعترض طريقنا وتقدمنا في الحياة، كما قال الشاعر في قصيدة لأبي تمام:
لَيسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَومِهِ *** لَكِنَّ سَيِّدَ قَومِهِ المُتَغابي
فالذكاء والحكمة في التعامل يكمن في التغاضي عن زلات الآخرين ومنهم من نحب، وعدم إيقاف عجلة الحياة أمام هذه المواقف بل تقديم فرصة للتعبير والشرح والاعتذار ثم استجماع القوة والعودة للمواجهة القادمة. علينا جميعنا أن نعلم هذا ونعمل به لأجل سلامنا الداخلي، واحتضان كل ما يواجهنا من مواقف وعقبات ونستفيد منها لنزداد قوة في إتقان فن العيش.
