تريَّث في عيش حياتك، مؤسفٌ أن يمر يومك وأنت تعد الثواني والدقائق والساعات، مهمة تلو الأخرى، مهام تنسيك نفسك، تنسيك بأن حياتك هي التي تعيشها الآن وتحياها دون أن تستشعرها، دون أن تستحضر الغاية من خلقك، تظل وسط انشغالات دائمة متوالية لا تنتهي، تنسى بأنها حياة واحدة لا تتكرر، فإما أن تقرر عيشها بالطريقة التي تحب، أو تتناسى لتجد نفسك مقصراً نحو نفسك، نحو أحبائك، عائلتك وأصدقائك، والأكثر من ذلك نحو خالقك الذي جعلك مستخلفا في الأرض..
الحياة قصيرة جدًا، وانشغالاتها لا تنتهي، أنا لا أقول بأنك يجب أن تصير دون فائدة… وأن تخلق فراغًا مريعاً، ما أود قوله هنا، أن الانشغال بالمهم مهم صحيح، وأساسي للصحة العقلية والنفسية وللجسد الذي يحتاج إلى حركة دائمة ليطرد الكسل والعجز المتربصان به، لكن حاول وسط انشغالك هذا ألا تشبه الروبوت.. لا تتلقَّ الأوامر ولا تخضع لموجهها..تجنب أن تعيش فقط لأداء المهام التي لا تنتهي والتي لا بد وأن تنسيك عيش الحياة التي تبحث عن عيشها مستقبلا، أو التي ظننت أنك عشتها في الماضي والآن انتهت صلاحيتك وصرت بانتظار وصول أجلك.
ما دمت تستطيع أخذ النفس، وطالما أنه يدخل رئتاك فأنت حي ملزم بالعيش، بالعيش بالطريقة التي تجعلك تستلذ الفطور الذي تتناوله كل صباح وأنت مستعجل، بطريقة تجعلك تتذكر أنك إنسان ذو كيان وله أفكار يحتاج إلى تجسيدها في واقعه عوض تأجيلها إلى وقت مجهول يجعلها تنسى وكأنها لم تكن..
نحن بحاجة لأن نتصالح مع أنفسنا ونحبها ونتعامل معها بنفس الحرص الذي نتعامل به عند قضاء المهام التي نعيرها أولوية وأهمية، وهي في حقيقة الأمر ليست بتلك الأهمية، وليست ذات أولوية إذا ما قورنت بالهدف الذي خلقنا لأجله..وكل ذلك لنخلق التوازن بين ما يجب أن يكون وبين ما هو كائن فعلًا .. محاولة منا لتطبيق غاية أُرسلنا لأجلها.. غاية الاستخلاف في الأرض، ممثلين لمبدأ سامٍ جدًا.. ألا وهو المتمثل في الأمانة التي وضعت على رقابنا.. أن نكون خلفاء الله في أرضه الواسعة.. الأمانة التي أبت الجبال والسماوات والأرض والمخلوقات حملها.. وأشفقن منها.. وكنا نحن الضعفاء الواهنين راضين بحملها ظانين بأننا قادرين على حفظها وتحقيقها.. فكنا ظالمين وبجهلنا غير واعين..ألم يقل الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]
ثم إننا بحاجة للبحث، للعلم واستقاء المعرفة.. نحتاج لأن نعي ونبتعد عن الجهل المريع الذي أصبح يتربص بنا من كل جانب.. وهي غاية لا تدرك إلا بالتصالح مع الذات وإنقاذها بالمطالعة والقراءة والتفسير والتعمق، ليس في مجال نتخصص فيه فقط، وإنما في شتى مجالات الحياة..والسلام.