أنقذ نفسك! 

يا صاحبي ألم تر أننا نقضي وقتنا في الحديث عن الناس؟ ننبهر بنجاحات البعض وإنجازاتهم ونضحك من أخطاء الآخرين وإخفاقاتهم، ونتذمر من سلوكيات آخرين وأخلاقهم ونشمئز من بعض الطباع والأوضاع!؟ ألم ترَ أن كل ذلك لا يعنينا بشيء؟ ألم تر أن انشغالنا بأحوال الغير وحياتهم يحرمنا الاهتمام بنفوسنا وأحوالنا؟ ألم ترَ أننا صرنا نعيش حيواتِ أناسٍ في مشارق الأرض ومغاربها، أناس لا يعلمون بوجودنا، ندندن بأحاديثهم ونكرر أفعالهم غير آبهين بمن نقلد ونتشبه، ولا مبالغين بما نصنع، متناسين أن لنا حياة تستحق أن تعاش بكل تفاصيلها وأن نحرص على استثمارها كما يحرص الشحِّيح على ماله؟ ألم تدرك بعد ذلك يا صاح؟ أما أنا فقد فعلت.. تعلمت اليوم يا صاحبي أن كل أولائك سُّراق، نعم يسرقون من حياتي ووقتي المحدود بكامل إرادتي، وليته لم يكن كذلك، إذن لهَان الأمر ولماَ استحق إراقة المداد على الأوراق!
إنهم سراق محترفون يا صاحبي، محترفون حدَّ السحر.. وإذا كنت -أيها القارئ الكريم- ممن يطلق العنان لسمعه وبصره ويورد لسانه في الأخضر واليابس فأبشر بتخدير شامل تفقد به إدراكك وإحساسك بنفسك، عندها يأخذون منك رأس مالك برضاك، بل وأنت تضحك ملء فمك حتى تظهر نواجدك دون أن تشعر بعاقبة مآلك والمخيف أن تدرك ذلك بعد فوات الأوان واقتراب الموت.
وإذا كنت ممن يمضون وقتهم مع أحبابهم وهاتفك لا يفارق يدك، تتلصص عليه بين الفينة والأخرى أو ربما تركز بصرك عليه أكثر مما تنظر إلى أمك أو أبيك أو زوجك وأبنائك فثق بي أنتَ أو أنتِ لا تقضين، وقتك معهم لأن تركيزك مشتت ومجال إبصارك (field of view) محدود فأنت إذن لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. بل تتوهم أنك معهم، والوهم حاصل عندك وحدك! حتى أبناؤك الصغار يعلمون أنك منشغل عنهم فيعبرون عن ذلك بطرق لا تفهم فيها شيئا وربما تفهم في وقت متأخر من عمرك ولكن ذلك لن يكون ذا قيمة.
الوقت الذي نقضيه مع أحبابنا، سواء أكانوا أقارب أو أصدقاء أو حتى مع نفوسنا ينبغي أن يكون ذا قيمة أو ما يسمى بالوقت ذي الجودة (Quality time)، وإلا فإنه وقت مهدور لا يستفاد منه، وجعل أوقاتنا ذات جودة أسهل مما نتوقع، يكفي فقط أن نكون معهم نحن وفقط بدون أكسسواراتنا سواء أكانت هواتف، أو أجهزة التحكم في التلفاز أو في ألعاب الفيديو أو غيرها.. نحن، وفقط بعقولنا وأسماعنا وأبصارنا ومشاعرنا وجميع حواسنا، ننصت لحديثهم، ونتأمل وجوههم ونضحك لضحكاتهم، نشاركهم أفراحهم وأتراحهم وهمومهم بكل اهتمام بعيدا عن التعابير السطحية والابتسامات الصفراء الزائفة، سنحس بعدها أننا أكثر إنسانية وأن الحياة مع من نحب أعظم وأطيب من كل العوالم الافتراضية التي جردتنا من قيمنا وقيمتنا.
أتفق معك يا صاحبي، فالتقنية والوسائل الحديثة قربت البعيد وعبدت الطريق ويسرت العسير لكنها قيدت الكثير فصار معظمنا عبيدا في بيوتهم لجوالاتهم.. ألم ترى يا صاحبي إلى كل أولائك العملاء الذين انسحبوا من شركات التواصل الكبرى، ألم ترى أنهم لم يكتفوا بانسحابهم بل بحذف التطبيقات التي كانوا هم أنفسهم يشتغلون على نجاحها يوما، لكنهم إذ أدركوا خطورتها آثاروا سلامة نفوسهم على حساب جيوبهم.
أخيرا وليس آخرا، الآخر ليس مذنبا في حق نفسك والهواتف ليست ملامةً ولا مسؤولة عما صرت إليه، توقف عن لوم الأشخاص والأشياء والزمن! إنما أنت الملام وحدك، وحدك تستطيع العناية بنفسك وتغييرها وقيادتها نحو ما ينفعك، أنت تستطيع أن  تتحكم في الأشياء فيما يعود عليك بالنفع وعلى عائلتك، أنت تستطيع ذلك تذكر ذلك جيدا وأعط كل ذي حق حقه.
1xbet casino siteleri bahis siteleri