سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ

من مِنَّا لم يُحثّانِه والديه في الصغر وحتى عند الكبر، وبالأخص الأم على الإهتمام بإخوته ومساندتهم، ومدِّ يد المساعدة لهم، وفي بعض الأحيان يصل بهم الأمر إلى حدّ التوبيخ عندما نتشاجر فيما بيننا، وفي كل مرة كانت تودُّ أن تبيّنَ لنا قيمة الأخ والأخت بين إخوته، مقارنة مع باقي الأواصر والعلاقات العائلية الأخرى القريبة منها والبعيدة، وقد أدركنا ذلك فيما بعد مع مرور الوقت، فكلّما وقع شجار أو مشكل في الحي أو المدرسة بين الأصدقاء، تجدنا نستنجد بالأخ الأكبر ونتفاخر به حماية لنا، وكذا استشعار سنده وقوته.. ومع توالي الأيام والمواقف استوعبنا الدرس جيّدََا، رغم كثرة الشجارات والخلافات الدائمة بين الإخوة، فهي طبيعية في كل البيوت..

هناك قصص كثيرََا ما نسمعها، تحكي على قيمة الأخ بين إخوته، منها من ذكرت في القرآن الكريم ومنها من تحكى بين الناس.. سأسرد لكم البعض منها، يحكى أنّ أحد الحُكّام قديما كان قد قبض على زوج وإبن وأخ لامرأة، ومن ثمّ خيّرها أن يقتل اثنين ويترك لها واحد فقط، فما كان منها إلاّ أن قالت له الزوج موجود، والابن مولود، أما الأخ فهو مفقود، ومنه اختارت المرأة أخاها لأنه بإمكانها أن تتزوّج مرة ثانية أو ثالثة وتحصل على زوج، وتنجب مرة أخرى وأكثر، لكنها لا تستطيع أن تعود بالزمن إلى الوراء لتحظى بأخ آخر من والديها إذا خسرته..

هنا يمكن القول، أن اختيار المراة لأخيها كان قرارََا صائبََا ولا يبخس من قيمة وأهمية الزوج الحنون ولا الإبن العزيز شيئا، فكل ما في الأمر أن الأخ فعلاََ شخص لا يعوّض ولا يعيده الزمن إذا تمّ فقدانه.. فالاخ يمكن أن يجمع بين الاثنين، ليس بالمعنى الحرفي والكلي وإنما نسبيا ـ أي بمعنى نجد في بعض الأحيان أن إخوتنا يشبهوننا إلى حدّ كبير سواءََ في الملامح أو الطباع والأخلاق التي لم يرثها منا ولا واحد من أبنائنا وفلذات كبدنا، وأحيانا أخرى تجدنا نفتخر بهم ونستشهد بهم كأمثلة ونماذج ناجحة نتمنى لو تتواجد في الزوج أو الزوجة بعضا من صفاتهم وخصالهم التي نحبها..

فالاخ يمكن أن يلعب أكثر من دور في حياتنا، فتجده الأب الروحي والأم الحنونة والإبن العزيز والصديق المقرّب في مختلف مناحي الحياة معنويََا وماديََا…فنعمة الأخ يجب أن نحمد الله ونشكره عليها، فكم من إنسان(ة) لم يرزق بأخ أو أخت أو كلاهما وعاش لوحده، ولم يحظى بهذه النعمة العظيمة. إن وجود الأخ الصالح والمعين في حياة المرء يشعره بالأمان والقوة، فهو المؤنس والسند القوي بعد الوالدين..

مقالات مرتبطة

فالله تعالى لم يختر من اﻷقارب لشدّ العضد إلا الأخ، يقول سبحانه وتعالى :﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾، الآية 35 من سورة القصص. فهذه قصة موسى عليه السلام لمّا إشتدّت عليه الحياة وشعر بصعوبة الوضع، وهبه الله أخيه هارون ليكون له سندََا ومعينا على نشر دعوة الحق بين قومه.. فالله تعالى يخبر نبيّه موسى عليه السلام أنه سيسنده بأخيه، وسيشدّ عَضُدَه وسيقوّي أصره بأخيه ويعزّ جانبه به، لدعوة فرعون ومن معه إلى طريق الحق وإخلاص العبادة للّه تبارك وتعالى.. كما أن الله سبحانه وتعالى رزقه بأخت لا مثيل لها، فهي التي حفظته صغيرََا وأعادته إلى أمّه، حيث كان لها أثر كبير في حياته ونجاته بإذن الله، بعدما أوصتها أمها أن تتعقّب أثر أخيها، وظلّت تبحث عنه الساعات الطوال من غير أن يحس بها أحد أو يشعروا بمقصودها فذهبت تقصه فوجدته، كما يقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 10 من سورة القصص : {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِۦ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَۖ}. فأخت موسى هنا، كانت الابنة البارّة لأمها والأخت الحنون لموسى التي ساهمت في سعادة أسرتها وبذلت من أجل هذه الأسرة كل ما استطاعت من جهد وعزيمة، ومنه فللاخت قيمة كبيرة في حياة الفرد، فتجدها تقوم بدور الأم من تربية ولباس ومأكل ومشرب.. فلن يَتفقَّدك ويبحث عنك ليطمئن عليك مثل أختك، فاحرص أن تكسب ودّها فلن تجد من يتقصىّ أمرك، ويخاف عليك مثلها، فهي القلب الكبير والرحيم، تجدها تتضوّر جوعََا لتطعم إخوتها، وتصبر على البرد لتلبس إخوتها، فسعادتها وفرحتها في سعادة ونجاح إخوتها..

فأنا شخصيا أحمد الله كثيرََا على أخواتي البنات، فهنّ فعلا رزق عظيم، يساعدنني في أمور كثيرة سواءََ تعلّق الأمر بماهو مادي أو معنوي، كما أنهنّ يصلحن الكثير من الشتات والتوتر الذي أشعر به في بعض الأحيان دون أن يدركن ذلك.. فكل الشكر والإحترام والتقدير لهنّ من هذا المنبر..

فلتكن حريصََا أشد الحرص على إجتناب كل ما من شأنه أن يوتر علاقتك بأخوتك ويؤثّر عليها، فلن تجد بالدنيا شخص يشد عضدك مثل أخيك الذي ولدته لك أمك.. فالإخوة سخّرهم الله عونََا وسندََا لبعضهم، ويعطون الكثير من القليل الذي لديهم وبطيب خاطر لا مثيل له..
فلتتمسّكوا بإخوانكم وأخواتكم، واهتموا بأمورهم المعنوية والمادية كلها، فالأُخُوّة أعظم رابطة بعد رابطة الوالدين.

فكما أشرت سابقا، أن الإخوة يحبون بعضهم البعض بالفطرة ويتمنون الخير الكثير لبعضهم، ولكن هناك فئة أخرى يغلب عليها الحسد والحقد والطمع.. فتجد منهم من يغتصب حق أخيه أو إخوته جميعا ومن لا يسأل عنهم ويقطع الرحم بسبب أمور الدنيا كالميراث وغيره، وبعضهم يصل به الأمر إلى حدّ القتل، ولنا في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته خير مثال..

فاللهمّ احفظ لنا إخوتنا أينما حلّت خطاهم، وَقِهِم شرّ الدنيا ومصائبها، اللهمّ اصلحهم واصلح بهم الأمة.. {قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ} [الأعراف: 151].

1xbet casino siteleri bahis siteleri