صفة الفضول

تعتبر صفة الفضول من بين الظواهر المنتشرة بين أغلب فئات الناس في مختلف المجتمعات منذ القِدم، وبالأخص في المجتمعات الفقيرة التي تعاني من نقص كبير في الوظائف وفرص الشغل، ممّا يجعلهم يلتجئون إلى التطفّل بكلّ أنواعه عن طريق التدخل في شؤون الآخرين والبحث في أمورهم وكذا النبش في أسرارهم الشخصية لجمع أكبر عدد من المعلومات الجديدة عنهم دون احترام خصوصياتهم.

فحسب رأيي، فالفضول يمكن تقسيمه إلى نوعين مُتضادَّين وِفْق شخيصة الإنسان وتكوينه وبيئته، وكذا نظرته للحياة التي لها دور كبير في إنتاجية الفرد على مستوى ذاته أولاََ وعلى مجتمعه ثانيََا، فهو سلاح ذو حدين في كِلتَا الحالتين إن لم يُستغل بالطريقة الصحيحة.

الفضول الأول : وهو الفضول الإيجابي
يمكن اعتباره مهارة، والقوة الأساسية المُحَرّكة للعلم والمعرفة والابتكار في أغلب الأحيان، ويمكن تحقيق هذا في حالة التفكير الفضولي الإيجابي لتعلُّم أشياء جديدة واكتشاف المجهول المفيد، فهنا يمكن اعتباره سبيلا للاجتهاد والمعرفة، فهو لا يتولّد إلا لمن لديه حبّ المعرفة والاستطلاع والشغف الجيد، لأن حبّ المعرفة والبحث في شتّى المجالات المتنوعة أو في مجال خاص (كالطب، الاقتصاد وعلم النفس…) من الأسس والأساليب التي تؤدي إلى كسب المعرفة عن طريق البحث والغوص في بحور العلم التي لا حدود لها، رغم ما توصَّل إليه العلم الحديث منذ آلاف السنين والقرون الماضية من إنجازات متطوّرة واكتشافات علمية وفلسفية وانفتاح في أغلب المجالات.. يقول الله تعالى في سورة الإسراء الآية 85 : {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

فمعرفتنا نحن البشر لا تساوي شيئا مع علم العليم سبحانه، وَمنه وجب التركيز على الجانب الأصح للفضول الذي يؤدي إلى تطوير العلم، الذي مكَّننا من توفير الكثير من الوسائل الضرورية لعيش حياة مفعمة بالشغف وزاخرة بكل المعاني، ولنا عبرة في أغلب الشخصيات والعلماء الذين أدى بهم هذا الفضول إلى تحقيق الشيء الكثير في حياتهم على سبيل المثال ليوناردو دافنشي، كان من بين هؤلاء الذين لو لم يسَيطر عليه الفضول لما حقّق ما وصل إليه في النهاية.. أما على المستوى الجماعي فله دور مهم في تيسيير العيش من خلال الاكتشافات العلمية المتطورة التي سهّلت الحياة وطوّعت كل شيءٍ للبشرية جمعاء من الطبيعة والتكنولوجيا فأصبح كل شيءٍ بمتناول يديها.

إضافة لما سبق، فإنّ الفضول في هذا الجانب مُستحبّ وشيء جميل، وهو مصدرُُ جيّد للاستكشاف والبحث عن العلوم والأفكار الجديدة التي من شأنها تثقيف المرء في تخصّصه بصفة خاصة، وفي مختلف جوانب حياته بصفة عامة، فالإنسان الفضولي الإيجابي سيصل إلى هدفه وسيحقّق طموحه رغم كل الظروف، فعلى سبيل المثال بالنسبة لطالب العلمِ المجتهد، فهو دائما ما يسعى للمعرفة وتطوير ذاته في مجال دراسته وتخصصه، كالبحث في مختلف الكتب ومكتبات المؤسسة أو الجامعة التي ينتمي لها أو التي توجد في مدينته وفي بعض الأحيان يسافر إلى مدن أو دول أخرى حسب استطاعته لحضور محاضرات أستاذ مشهود له بالكفاءة أو عالم مشهور في مجاله.. وكذا البحث في مواقع الإنترنت التي يسّرت سبل الحصول على الكثير من المعلومات في وقت وجيز، وكذا التواصل مع الأساتذة وأهل الاختصاص دون كلل وملل.

أما بالنسبة للموظّف الذي يحبّ مهنته أو يسعى إلى الارتقاء بمستواه المعرفي والوظيفي، تجده يدرس أو يقوم بدورات تكوينية في تعلم لغات أخرى أو مجال المعلوميات والبرمجة.. كل هذا من أجل تحسين مستواه ومواكبة المستجدات، وكذا تطوير مهارات التواصل والتعاملات مع مختلف الفئات التي يتعامل معها في وسط عمله أو محيطه.

إذن هنا يمكن القول إن هذا الفضول هو الذي يجعل المرء يلجأ إلى طرح عدة تساؤلات متتالية والاستماع لكل صغيرة وكبيرة، في بعض الأحيان الفضول لا يكون بالسمع فقط، بل يحتاج أيضا لعين متأمّلة ويقظة تلاحق حركات وتصرفات المُلقي وردَّات فعله مع كل فكرة يقولها، لاقتناص أيِّ معلومة يقولها المُحَاضِر أو العَالِم.. ثم بعد ذلك، يأتي دور التحليل والاستنتاج، والذي لا يتمتّعُ به كل الحاضرين في حصة المحاضرة.. ليتوصّل في النهاية إلى الفكرة الأساسية واستغلالها للتحقق وتفسير النتيجة المحصل عليها، ومن ثمّ الوصول للنتائج المرجُوّة أو اكتشاف معلومات جديدة من شأنها إضافة شيء للذات أو للمجتمع ولم لا للعالم بأكمله..

إنّ الفضول الإيجابي ما هو إلا تضارب الأفكار في مخيلة الشخص الفضولي التي تؤدي به إلى طرح سيل من التساؤلات، وللإجابة أو البحث عن الأجوبة التي تشفي الغليل، والحصول على نظرة أعمق للعالَم، لا بدّ من القراءة والبحث في الكتب أو الإنترنت، انطلاقا من أفكار وآراء ومعتقدات العلماء الآخرين الذين مرّوا عبر العصور، فالشخص “الأكثر ذكاء هو الذي يعرف أنه لا يعرف”. يقول جوستاين غاردر. إذن، كيف يمكن للمرء أن يعرف ويكتشف جهله ونقصه بالمعرفة، إذا لم يقرأ الكثير الكثير من الكتب في مختلف التخصصات ويتأمّل ليصل إلى أجوبة مقنعة؟! كما يقول أيضا الكاتب بدور كلداري “القراءة، فن الفضول الخفي والتطفّل على حيوات الآخرين بأدب جم”.

كما تعتبر القراءة سِمة جميلة لا يتّصفُ بها إلا الأشخاص الفضوليون الإيجابيون، “القراءة تناسب الأشخاص الفضوليين” تقول ليلى المطوع.

والآن عزيزي القارئ، سننتقل إلى النوع الثاني وهو الفضول السلبي أو غير الصحي:
يعتبر الفضول السلبي من الطباع السيئة المنتشرة في أغلب المجتمعات، كما هو أيضا سلوك لا أخلاقي منتشر بكثرة بقصد تَصيّد أخطاء الآخرين واستفزازهم بها أو إزعاجهم، التي تفسد حلاوة العلاقات بين الناس والأصدقاء البعيدين.. لأن الأصدقاء المقربين في الغالب ليس بينهم أسرار ممّا لا يعطي أي مجال للفضول والبحث عن أسرار هؤلاء المقربين.. فأن يبعد الله عنك طبع الفضول السلبي، ما هو إلا نعمة يجب أن يحمد الله عليها، فالتطفّل والبحث في أسرار الناس ومراقبة الصغيرة والكبيرة في تحرّكاتهم، ما هو إلا مرض نفسي ووسواس يؤدي إلى ظاهرة الحقد والحسد، كما أشارت بعض الدراسات العلمية والأبحاث أنه كلّما انشغل المرء بأمور الآخرين، نَسيَ نفسه وأموره الشخصية المهمة، وفقد البوصلة التي يتحكم بها في ذاته، وهذا ما يؤدي إلى إضاعة الفرص التي تتاح له بين الحين والآخر، أو ستجده مجبرََا على مصافحة الفراغ ومن ثمّ الفشل الذريع، وفي بعض الأحيان الحصول على نتائج غير مُرضية وغير سارَّة، أو مؤلمة ذات عواقب وخيمة.. فرسولنا المصطفى يحثّنا على عدم التدخل فيما لا يعنينا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: {مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وفي الأخير وجب على كل إنسان عاقل، أن يتجنّب هذا النوع السلبي للفضول الذي لا فائدة منه، وذلك عبر تفادي التجمعات والجلسات التي يكون أفرادها ممَّن يهتمون بتأليف وسرد قصص عن أخبار الناس قصد التسلية، والغيبة وأكل لحوم الناس..

عزيزي القارئ، أنصحك بأن تركز في شؤون حياتك الخاصة وكيف ستنظم مخططاتك اليومية على المدى القريب والبعيد التي من خلالها ستتمكن من تحقيق أهدافك المرجوة إن شاء الله.

وفي الختام، سأنهي مقالي هذا بقول عمر الخيام :
صاحب من الناس كبار العقول *** واترك الجهال أهل الفضول. واشرب نقيع السم من عاقل*** واسكب على الأرض دواء الجهول.

1xbet casino siteleri bahis siteleri