الآن

كثيرة هي الأدعية التي حث عليها الإسلام أن نكررها بين الحين والآخر في كل وقت وكل مكان والتي كان من بينها دعاء: «اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.» ننفض أفرشتنا مكررين هذا الدعاء منذ أن كنا صغارا، وكلنا يقين وحزن بأن الغد قد يكون أو لا يكون، مشاعر متضاربة تجتاحك، أيجب أن أفرح وأرقص أخيرا لخلاصي من العذاب الدنيوي أم يجب أن أحزن وأبكي لفراق عائلتي وأصحابي؟

لا هذا ولا ذاك تتذكره في النهاية، كل ما تتذكره هو أنك لعبت اليوم بأكمله وفررت من العقاب الجزائي اليومي…نجحت في أكل الحلويات المخبئة بعناية ولم يعرف بذلك أحد، انتصار بريء يدفعك للخضوع والنوم والاستسلام للساعة البيولوجية، أما عندما نستيقظ من جديد فنمتن بخشوع للوهاب على هذه الفرصة الجديدة التي منحها لنا مرة أخرى، ونجري ونلعب النهار كله فداء الغد والأيام التالية التي قد تكون أو لا تكون.

أما اليوم فأصبح من العادي، والطبيعي، والروتيني، ومن الممل بالأحرى أن نستيقظ كل صباح تحت السقف نفسه، وفي ظل أحضان كل العائلة، غير مكترثين بالجسد الذي يعمل دون أن يشكو بأي آلام، ولا من عقولنا التي تمنحنا كل يوم الأفكار الجديدة المبدعة والعادية أيضا في اعتقادنا، غير آبهين بأفئدتنا التي تضخ بالحب والحياة، ولا من الساقين اللتان تأخذاننا أينما شئنا وأردنا  غير مكترثين بكل من السمع والبصر والإحساس ككل.

هل سبق أن استوعبت فقط القدرة على الاستيقاظ من جديد وتحريك أغطيتك بذراعك، فتح عينيك والقدرة على رؤية الحياة من جديد، والسقف الذي تستخف به القدرة على التحرك وعينيك مكانهما وكذلك شعرك، لا شيء يسقط كل في مكانه مصان بعناية بإذن الوهاب، فقط استوعبها.

اليوم أهلكنا الملل واليأس من كل هذه الأيام، الفرص، النعم العادية والمتكررة ونتمنى بفارغ الصبر أن يمر اليوم فقط، اليوم نؤجل الالتزام بالصلاة إلى الغد أو إلى اليوم الواحد من الشهر الواحد من السنة الجديدة، نؤجل ارتداء الحجاب حتى “نقتع” نؤجل التوبة والتسامح، نؤجل فكرة مشروعنا التي تؤرقنا ليل نهار، نؤجل ونؤجل حياتنا باعتبار أننا سنبقى إلى ذلك الحين، نؤجل كل الفرائض والواجبات تجاه الخالق وتجاه أنفسنا وتجاه الآخر معتبرين أن الغد مضمون لا نقاش فيه.

يجب من حين لآخر فقط المرور بمقبرة، جنازة، أو الدخول إلى مستشفى وتذكير نفسك كم أن الحياة قصيرة وأن الغد لا يمكن نهائيا التكهن بوجوده، ولا بصحتك الدائمة والمستقرة، ويجب استغلال اليوم أشد استغلال وتحقيق أكثر ما يمكن فيه، فافعل ما أنت فاعله يا ابن آدم، الآن وفي هذه اللحظة، من صلاة، صيام، قيام، زيارة أو هدية، عناق حار وابتسامة من القلب، نصيحة أو كلمة طيبة وقبلة الحب والوداع.

الآن وفي هذه اللحظة، كل ما أستطيع القول هو أنه لم يعد شيء يهمني الآن، لا ذاك الماضي الماضي، ولا ذاك المستقبل المجهول، اليوم يومي، والعمري يمضي.

وداعًا من القلب لكل الأحزان التي جعلتنا نكره كل الأيام والأعوام، وداعا لكل الطرق الذي جعلتنا نقف بالمنتصف، ووداعا لكل التأجيلات اللانهائية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri