يوم اهتزت الأرض تحت أقدامنا وبتنا في العراء

كنت في ليلة الثامن من شتنبر أستعد للنوم في نهاية يوم بدأ عاديا ولم ينته كذلك.. أغمضت عيناي وفي التو واللحظة بدأت أسمع صوتا راح يقترب مني رويدا رويدا، كان الصوت غريبا جدا أسمعه لأول مرة في حياتي، أصخت السمع حتى أتبين نوعية الصوت فإذا هو لا بصوت شاحنة ولا بصوت طائرة، بل كان هديرا عميقا ومفزعا، وللحظة شعرت أن كل الأصوات قد سكنت في حضرته فلم يُسمع لها همسا، حاولت تحسس مصدر الصوت فوجدته ينبع من تحت قدمي ولن أنسى ذلك الدوي المفزع ما حييت، ثم بدأت أشعر بالاهتزاز من تحتي وبالدوار. ضربة أسكنت الليل وأسكتت كل شيء ثم أطلقت بعدها الفجع والعويل.

بدأ السؤال ما هذا ماذا يحصل؟ وفي لحظة وعي أدركنا أنه الزلزال. زلزال..زلزال، رحت أردد في البيت، وكان مجرد التلفظ بالاسم لوحده يثير الصدمة والدهشة والاستغراب، فقد كان وقوع زلزال آخر شيء نتوقع حدوثه في مدينتنا التي تبعد عن أكادير بحوالي 44كلم وعن بؤرة الزلزال، كما سنعلم بعد ذلك بأزيد من 300كلم. وأثار أيضا التلفظ بكلمة “الزلزال” وتكرارها الخوف والفزع فأصبحت الوجوه شاحبة والعيون غائرة، وفي غمرة كل تلك المشاعر المتضاربة حاولنا التصرف فوجدنا أنفسنا عاجزين ومحاصرين.

وفي ظل كل تلك الأحداث والمشاعر كان الموت آخر مخاوفي، فكان همي الوحيد والأوحد أن أحمي أغلى ما أملك في دنياي: أمي الغالية أخذتها بين أحضاني وأدرت ظهري للحائط حتى إذا ما سقط أتلقى الضربة بدلا منها فأمتص من قوتها، وراحت أمي بين أحضاني تشهد وتكبر، في مشهد تدرك فيه جيدا ألا ملجأ من الله إلا إليه. وإن عزائي الوحيد في هذا المصاب الجلل وهذه الفاجعة التي أودت ب 2012 من الأرواح -لحدود كتابة هذه الأسطر- والحصيلة قابلة للارتفاع، عزائي الوحيد أن هذه الفاجعة كانت اختبار حقيقي لفلسفتي عن الموت، أنا الذي لطالما دعوت لعدم الخوف من الموت، بل العمل والحث على انتظاره. فالموت منظار للحياة، وقد ثبت بالواقع ذلك.

ومازلت إلى الآن أتساءل مع نفسي، إن كان هذا صوت زلزال وصلنا في مراحله الأخيرة فكيف سيكون صوت يوم ينفخ في الصور. ثم سكن الصوت واستقرت من تحتنا الأرض، حينها فقط بدأنا نسمع العويل والصراخ في الزقاق، وأبواق السيارات، وكأن العالم الخارجي كان في صمت مطبق لثلاثين ثانية أو أقل. ثلاثين ثانية مرت علينا كأنها ثلاثين دقيقة.

خرجت وأخرجت أمي معي فوجدت المشهد في الخارج كما وصفه الباري المصور جل في علاه {وتَرى النّاسَ سُكارى وما هم بِسُكارى ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} كان الكل يجري بلا وجهة ولا أحد يدري ما العمل، ثم على صوت بين الأصوات: اهربوا إلى الخلاء فاتجهت الأوجه صوب أقرب خلاء فارين من البيوت التي ربما أفنوا أعمارهم في تشييدها فتركوها على اتساعها وجمالها وباتوا في العراء، في مشهد يبين لك أن كل الماديات لا تساوي شيئا أمام الموت.

حدث الزلزال وأمر الله نافذ، لكن وجب أخذ العبرة والاتعاظ من مثل هذه الأحداث، فكل ذلك الهم والغم الذي تحمله للغد قد يصبح لاشيء وقد لا يكون هناك غد، كيف تطالب مديرك بالترقية، كيف ستشتري سيارة جديدة، أو توسيع البيت، البيت نفسه الذي ستفر منه في أي واقعة مشابهة، كيف تجعل الفتاة الجميلة في القسم أو العمل تحبك، كل تلك الأفكار والرغبات التي كانت تبدو لك مشاريع عظيمة مستعد أن تعمل عليها عمرك كله، أصبحت للحظة أشياء تافهة. ثلاثين ثانية كانت كافية لتمحيص التافه من المهم، ثلاثين ثانية كانت كافية لتبين لك مدى أن الموت أقرب لك مما تتخيل، ثلاثين ثانية كانت كافية لتغير فكر عمر بكامله ولتحدد لك أولوياتك والحقائق، و {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

ايــــــــوب فهيم

1xbet casino siteleri bahis siteleri