أعتقد أنه علما أطرح أسئلة عديدة حول الخير والشر في نفسي يتصالح الاثنان داخلي ثم يحاولون جاهدين الإيقاع بي، كما لو أن لهم مصلحة مشتركة في ربطي بإحداهما وتقييدي بالطرف الذي يحتاجني، أو أنا الذي أحتاجه، لا أعلم.. أعتقد أن للظرفية عند طرحي للأسئلة دورا مهما في ضَمي لأحد الجانبين، أغلب الأحيان تكون للجهة الذميمة من النفس، لماذا؟
لا تخيفني تلك الأسئلة بتاتا، أخاف من يدي التي تضم زمام أمور نفسي، أخاف من قوتي التي ربما يُخيَّل إليّ أنني فعلا أحتوي زمام الأمور، أخاف من قوتي بالقدر الذي أخاف من ردة فعلي عند إحساسي بضعفي، أخاف أن أضيع ذاتي مرة أخرى، أخاف ألا أجدها، كل هذا يبقيني مستيقظًا ليالٍ عديدة، تُقحمني الأسئلة في أجوبة وبدورها تدفعني لأسئلة أخرى لا جواب لها..
إن العقل الذي يوجّهني، هو نفسه الذي أضاعني، هو نفسه الذي قادني للسؤال عن معضلة باتت ليالٍ ثلاث في ذهني، هو مقارنة الشعور إذا ما أنت ألزمتَ نفسك عن ترك ذنب إذا ما كان الذنب هنا متعلقا بكل ما هو غير قانوني، والشعور الذي ينتابك بعد فعل نفس الذنب. وبما أن دماغي أثار فيّ مَلَكة التجربة، وجدتُ أن السعادة باعتبارها مصطلحا ماديا مؤقتا، تعلو وتفوق بأضعاف مضاعفة السعادة التي تنتابك عند كبحِ نفسك دون فعل أي شيء غير قانوني باعتبارات كثيرة.
ربما للظرفية دور مهم كما قلت، وربما مفهوم السعادة عندي مشوه إذا ما قارنته مع الواقع المُعاش، وربما غير ذلك. وبقدر السعادة الجامحة يكون الندم كبيرا، ولماذا سينتابك الندم إذا ما علمنا أن القانون المخروق هنا هو قانون بشري وضعي -شرط ألا يضر بالعامة طبعا-؟
بدون رفقة، بدون هاتف ذكي، بدون ورق أو قلم، جالس قُبالة بحر تاغازوت، الصمت يعم المكان ولا سبيل لإيقاف لحنه، لطالما كان لحنه مريحا، أحس بالراحة التامة هنا، أتجرد من ثياب اسمي ومهنتي وكل ما يخصني من أمور الدنيا، أنا إنسان يسأل ثم يبحث عن الأجوبة رويدا رويدا، بدون رفقة لأنني لا أريد أن أسأل شخصا ويُقابَل سؤالي كما لو أنه سؤال مباشر أبتغي منه جوابا شخصيا. لا، لا أستطيع احتمال تلك أجوبةً، أحتاج محللا و إلا فلا. وذلك حالي كما ترون الآن.
هل يعلم أحدكم نوعا من الخطط الذي لا يفشل أبدا؟ وهل هناك خلطة سحرية للنجاح باعتبار النجاح هو الوصل لنتيجة مرضية تجعل منك إنسانا سعيدا ولو مؤقتا؟ إذا ما قارنّا جميع الناس، عربهم وأعجمهم، أبيضهم وأحمرهم، أكثرهم سعادة أبلغهم نجاحا، فمن يكونون؟ وهل للإسلام دخل في كل هذا علما أن السعادة كمفهوم للحياة غير مذكور، وأن الحياة الطيبة هي أحق الحيوات حسب الفرقان؟
أقطع لحن الصمت بصوتي الجميل، أؤنس نفسي كما لو أنني أتحدث مع آخر يروقني حديثه، خلقنا من تراب، ورجلاي جوفَ رمال الشاطئ كامتداد لأصلي، لا تروقني السعادة كثيرا كموضوع لأنها تمثل عالما غير عالمنا الحق، كما لا يروقني حديث الحب كشعور لأنه يجعل منك شيئا يجاهد في شيء غير موجود، ولكن يروقني كلامه كفكرة عجيبة لا نفهمها، وغير هذا، الجو بارد جميل، أسترق لحظات كهاته في عالم تسوده الأنانية، وهل أنا أناني؟ كيف لي أن أعلم وفي هاته الحالة دون التحدث للآخر؟
لا شيء يستحثني على العودة لبيتي، سأبقى أسبوعا هنا أو أسبوعين، سأبيت الليلة في مكاني هذا، افتتنت بهذا المكان الهادئ، بهذا الغروب الذي تجر الشمس ثوبها عليه، ربي لماذا لم تكشف ليَ هذا المكان من قبلُ؟ حمدا وشكرا! أريد فقط الجلوس وبيدي قلم و بالأخرى ورقة، أكتب تارة لأجنب نفسي من الانتحار، تارة لأؤنس ذاتي وتارة أخرى لتسديد ديوني التي صارت اليوم صفرا.
ما مِن نداءٍ، كل شيء أصم وأبكم، إلا أسئلتي غير المنقطعة وقسمات وجهها في دماغي، إنها لا ترغب في وحدتي، تريد مشاركة وحدتي، بكل طقوسها وبكل قوانينها تريد خوضها دون شبر تردد.. كيف لها أن تتحمل إنسانا مثلي؟ إنسان لا يكف عن التفكير، يريد أن يخرق الدنيا طولا وعرضا بالقدر الذي يريد أن يموت ليكتشف ما سيراه بعد الموت.
“عزيزتي،
أشعر بالأسف على الفراشات عندما تنطفئ النار، وكذلك أشعر بالأسف عليك عندما أنطفئ، أخاف أن أقص جناحيك كما أخاف أن أخمد، لا توجد لدي مطالب ولا أعتقد أنني سأقبل بأخرى، وبالرغم من كل هذا لا زِلت كما عرفتُك اليوم الأول، أنا لا أعِد بشيء ولا أقيد نفسي بدين، فوعد الحر دين عليه، أعتقد أن أجوبة أسئلتي عندك، لطالما اعتقدت هذا، دماغي لا يكف عن وصفك، ويداي لا تبغيان كتابة أي شيء متعلق بوصفك كي لا يتخيلك أحد القارئين، خططت بالقلم في ذهني قبل شهور لك وأنتظرك ريثما تستعدين، اسمك بين حروف الكلمات وهذا كافٍ أن أرسل رسالة كهاته في البريد، أرجو أن تقرئيها لي بصوت مسموع.
أتمنى أن تلقاك في أحسن حال.
حمزة.”
بلغت الساعة الثامنة، وإحساسي بالمكان يصير شيئا فشيئا أعنف وأعمق كما لو أتملك المكان فيصير لي وحدي، أظن أني تعجلت الكتابة؟ لا أعلم، كل ما أعلمه أنني سأبيت الليلة هنا، وأنا مرتاح البال.