دوامة فارغة…

كيف لي أن أنسى ما حدث؟ أستيقظ ثم أعد فطوري، أفطر وأصلي ثم أنظف أسناني لأجدني أفكر مليا في ما حدث، كيف انساقت الظروف جميعها لكي أكون أنا الفاعل في الحدث؟ إنني أفكر في الأمر مرارا وتكرارا ولا أجد سبيلا لإسكات كل ما يجول في خاطري، لا أستطيع نسيان الأمر بالرغم من قَبولي له قبل وقوعه، نعم فكرتُ في الأمر مليا قبل إقدامي عليه، أعتقد أن ضريبة كل هذا هو عدم نسياني له، وكيف لي أن أنسى شيئا خططتُ له بإحكام تام.

أدخل دكان الخياط أحمد، أسلم وآخذ بذلتي الجديدة ثم أدخل غرفة تغيير الملابس، المقاس هو المقاس، إتقان العم أحمد لعمله ينسيني بعض الشيء من ما حدث، ما حدث؟ أنا بنفسي لا أعلم كيف حدث.. أعود لمنزلي وأنا مثقل كما لو أنني أنتعل حذاء من فولاذ أو أهز على كتفاي مائة رطل من النحاس أو يزيد، حركتي بطيئة وما في محفظتي غير رسائل إلى ميلينا.. أحيانا أظن أنني لست جيدا للناس، وأنه ليس من الجيد أن يكونوا معي، وفي أحايين أخرى أظن أن كل هذا يدور في دوامة فارغة وأن الحياة مملة.

استغرقت الحادثة مساء أمس بضع ثوان قبل أن أتناول منديلا وقلما، كنت قد شعرت برغبة عارمة في الانتحار ونفذت الأمر على أن يكون سلسا وبدون أضرار بدنية أحاكي فيها موتا طبيعيا لشاب هرم تناول دواءه مفرطًا في جرعته اليومية، لم يجد معنى الحياة ثم سعى في بحثه إلى ما وراء الموت، أقصد ما وراء الانتحار.

مقالات مرتبطة

المنديل والقلم هنا، واحتراما له سأكتب عليه ما يمليه علي ذهني، شساعة تفكيري وغرقي في الحزن جعلوني أعتاد عليهما، لم يرغب المنديل بكلمة الانتحار أن تدون عليه، وعليه فإنه رغب أن يعلم أسبابي له، علاقتي بالمناديل وطيدة، نادرا ما أجد ورقا وبالتالي فالمناديل ظلت صديقتي منذ عدة سنوات، تصغي مليا وتفهم قصدي، لم يجد كلينا مشكلة في الآخر فأصبحت علاقتنا كما هي عليها الآن.

ابتلعت ريقي ممزوجا بالدم جعل من الأحرف على لساني لا تبرح مخارجها، عدلت طريقة جلوسي ثم استهلت البوح للمنديل، سيدي، نعم سيدي، لم أرُم خطوتي تلك، لكنها جاءت بعد تفكير طويل وتحليل عميق وتخطيط بإحكام بأن الحياة يا سيدي مملة، شعرت حينها وكأنني في لعبة لا أعلم وقت نهايتها كي أتدارك ما أتداركه، أو بعبارة أخرى أريد أن أتحكم بمجريات ما يخصني على هاته الكرة الإهليلجية، لا أقل ولا أكثر، كما تعلم يا سيدي فأنا مريض، والناس هنا يمدحون ثباتي وقوتي، لم يفهم أحد منهم أنني مجبر على الثبات والقوة وأن لا سبيل لدي للانهيار، وقد كنت البارحة منهارا عصبيا أما الآن فأنا أتمالك نفسي شيئا فشيئا، أعتذر عما بدر مني قبل قليل، هكذا هي الحياة، لعبة ورق لا دخل للطموح والأحلام فيها، يمكن أن تبلغ مستويات متقدمة في اللعبة كما يمكن أن تخسر مع أول جولة، الهدف هنا أن تبقى على قيد “الحياة” لأطول وقت ممكن، وأقصد بالحياة هنا وجود أحاسيس ومشاعر كيف ما كانت نوعها، المهم أن تشعر وتحس ثم تفكر، فإن انعدم الأول قُضيَ على الثاني وانتهت قصتك دون انتصار ولا حكاية.. لذلك أفضل أن أتألم على أن أجد نفسي مستلقيا أشعر بالملل متبلدَ الفكر..

سيدي المنديل، صدقني أن جميع الأشياء تبْهت وتصير بدون معنى بعد تجربتها، فما هدف التجربة بعد التجربة للشيء كيف ما كان نوعه باستثناء جميع أنواع العبادات لأن دوما ما نجد فيها معنى جديدا لما نقوله ونخبر الله به، صدقني مرة أخرى أنني سئمتُ هكذا أفكار، أريد تجربة شيء جديد، ربما هاته الفكرة ذاتها قادتني للتفكير في الانتحار، وربما لا.. سيدي المنديل، أنا مرهق و أريد أن أنام، فهل سأنام الليلة؟