غريق في بحر الجمال

بعد رحيله بشهرين آفلت شمسي فوق الأفق، طَفَلت غابت ولن تعود، وأتى الليل ليل أدجن والليل خليلي الودود، فيه أبكي وفيه أنوح وأشكوه عدوي اللدود، أتى الظلام بعتمته أتى بحزن أبديته، لا أمل ولا ورود، الديجور جنتي فيا قوم لا تلوموني، اذهبوا لحالكم لا تسألوني، كفاني غفلة كفاني شرودا، النجم حبي والقمر قلبي وأقول لكم: ” وداعا لن أعود”، سأبقى وسط الدجى تحت ضوء القمر وأنسة النجم طامعة في عيش حياة الخلود، أتصفح ذكريات في كتاب خط بحبر الدم والدموع، ونسيم الليل يداعبني وينسيني ما تفعل بي القيود، ينسيني آلام الجروح…

اذهبوا لحال سبيلكم فلم يترك الطوفان شيئا بداخلي سوى ويل يستوطنه ومن الهموم بحور، ورغبة كنار الهشيم في قلبي مضرمة لا لجِيَّ يطفيها ولا شيء سيهدئها سوى معانقة القبور، فأود لو أني ظالمة أغير متى ما شئت القلم وأشرب جندي من العذاب كؤوسا لأبيد، أذل وأدوس وأخضع للجهالة رَتْلاً وطابورا، ثم يقبلون نعالي خشية ويركعوا ركع الباغية لقفار الملوك، لكني لست سوى ضعيفة أشربوها من العلقم أكوابا وأغرقوها في ظلمات البحور، ولست فرعون أو من جنده لكن في صدري ترجرج، تقلقل وخفقان لابن من لا أب له.

عجوزة أصبحت وأنا في ربيعي الثلاثين بشيب لونه أسود وتجاعيد يخفيها شباب قلبي، عجوزة ضاق صدري ذرعا طالبا حضن التراب، ويفلت عقلي الواقع مقبلا على الجنون، فأسأل أحلامي: “هل ترى نلتقي وأرفع راية حبي له؟”، فلا رد ولا جواب يأتيني فأدرك أن حلمي محض خداع…بئيسة أنا وسط بلادي ومجنونة لا تفكر في الآتِ.

لطالما سمعت منذ أن وعييت بنفسي على الأرض، أن حياتنا كقطار يمر عبر محطات، نلتقي بـناس، نحبهم، نعشقهم، ينحتون أثرا في وجداننا ثم…ثم نفارقهم، لطالما لقنت أن هذه هي سنة الحياة فلا شيء يدوم وأن الكل ينسى وكأنه لم يكن، تمنيت لو الآن أخبركم أنه قصتي كانت على العكس تماما لكن للأسف، نفس المسار، لكن الأثر لم ينحت داخلي بل سكنني فأحمله معي أينما مشيت….

قصة جعلتني أتعلم أن الميتة ليست من فقدت روحها وارتاحت، إنما الميتة ميتة على قيد الحياة، تعلن الحداد كل يوم داخل نفسها، تعيش مراسم دفنها كل يوم لوحدها، الأرض مسكنها والسماء غطاؤها، ولا أهل ولا صحب معها، تقضي النهار كله تناجي الرب أن يرد ضائعها أو يمسح أثره، ولا فراغ يأتيها…
حدث معي أنني وقعت في حب الجمال وسط من لا يرى الجمال، وفي حضرة الغياب بعدما وقعت بيننا لعنة النفس، صعب علي تخطيه فقد لامس روحي…

ضم قدري شخص، لو كان الجمال رجلا لكان هو، ولو كانت القسوة كائنا لكان هو، ولو كان بدر الدجى والليل المعسعس ذكرا لكان هو، نعم كان ثمة شخص انتقل الآن من دار فناء إلى دار فناء أخرى يطبع الجمال في كل من يراه ثم يرحل، للناس فيما يعشقونه مذاهب لكن احذروا الالتقاء به فهو راحل وأثره باق.

1xbet casino siteleri bahis siteleri