اغتصاب الأحلام

الإنسان؛ كلمة بسيطة جدا، لكن معناها أعمق من أن نفهمه سطحيا بلا غرق وسط حروفها والإبحار في مكنوناتها، فقد اختلفت التعاريف والآراء حولها، بحيث اعتبر البعض أن الإنسان كائن يتميز بعقله الذي هو مناط التكليف وأساس المسؤولية والجزاء؛ أي أنه كائن عاقل. واختلف البعض الآخر مع هذا التعريف حيث همشوا الأبعاد العقلية واعتباروها مجرد قوى لا شعورية أو غريزية. لكن، إذا ما نزلنا إلى الشوارع وسألنا المارة عن نظرتهم لذواتهم خاصة وللإنسان عامة، فغالبا سيتم تعريفه على أنه كائن حي عاقل، قادر على التمييز بين الخير والشر، وأنه قد يكون ذكرا أو أنثى، وأن لكل الجنسين صورتين اثنتين؛ الأولى كما يراه الناس، والثانية كما يرى نفسه. في مقالي هذا، سأتحدث عن الأنثى ليس لكوني أنثى ولكن لكوننا نستحق أن نعبر في سطور قليلة عما نعانيه، ولن أتحدث عن أي أنثى بل سأخص قولي بنساء البوادي أو القاصرات اللواتي يقعن في فخ الزواج خلال سن المراهقة أو بتعبير أصح في الطفولة.

ربما يرى البعض أن هذه الظاهرة ماتت مع ولادة الحركات النسوية والجمعيات الحقوقية التي تدعو إلى الحفاظ على حقوق الإنسان، ولكن ومع كامل أسفي، لا زالت منتشرة وتنخر عظام وأساس المجتمع خاصة القروي. ولستم تجدونني أبالغ بوصفي زواج القاصرات باغتصاب الأحلام، فالحق يقال.

زرت في الأيام الخوالي إحدى القرى المغربية، كان كل شيء رائع، لن يكفيني حبري القليل ولن يسعني لوصفه، فكما قال إبراهيم الخفاجي في قصيدته مادحا المغرب:

“جمعت في غيدها كل المنى، فتنة الغرب وأصلُ العربِ، فتنة الغرب ونُطقُ العربِ، دارها البيضاء فردوس الدُنى، هي مهوى الغيد للمستعذب، كم على الأطلس في عالي الذرى، قد لهونا باصطياد الشُهبِ، وأريج الزهر في ساحاتها، مزج المسكَ بطيب العُشبِ، مزج المسكَ بعرفِ العُشبِ، وبمكناس لنا فيها رؤى، سهرُ الليل وشطحُ اللعب، وبفاس العز في أثارها، عِشتُ بالتاريخ عبر الحُقُبِ، وعلى طنجة غازلنا الهوى، في أصيل كانسكاب الذهب، وتجلى الفجرُ في فيروزها، فتنادى ورِقُها للطرب، يا لنفسي قد لقت صبوَتُها في، رباط الحسن قيد الطلب، وصفاءُ العيش في خِلجَانها، قد تعدى وصفَ ما بالكُتبِ، إن في المغرب إخوانٌ لنا، قد تحلوا بسمات الأدبِ، وتعالوا بمليك قدرُهُ، وتسامى بشريف النسبِ”.

مقالات مرتبطة

لكن، سرعان ما حدث ما لم يكن في الحسبان، وكسر روحي ووجداني، تغيرت نظرتي لذلك المكان وأصبحت أراه كسجن، أو الأصح، مستنقع متسخ، مليء بالضحايا.

وصلتني دعوة لحضور حفل زفاف بمنزل الجيران، بكل سعادة وفرح قبلت الدعوة، إلى أن أصدم بعد ذهابي بعرس طفلة. كانت تجلس في الوسط أنثى بمنتهى الجمال، لها من البهاء ما فاق الياسمين، تطمئن النفس بعد تبادل أطراف الحديث معها، لكنها وللأسف لم تكن سوى طفلة كبرت غصبا، طفلة في ربيعها الخامس عشر، طفلة تستحق أن تلعب وترقص، أن تعيش سنها كأقرانها في حضن أمها وليس حضن رجل أربعيني تنبعث من عيونه شرار الغضب، وصوته الخشن يكشف شخصية رجل سلطوي.

غصت معها في عمق الكلام، أخبرتني أنها متفوقة في دراستها وتحب العلوم والآداب، أخبرتني أنها تمنت أن تكون طبيبة إلى أن ساقتها الأقدار لعش الزوجية قبل أن تحقق حتى ربع أحلامها وأهدافها. اعترفت لي أنه أخبرها سابقا أنها لن تكمل دراستها فهو يريد أطفالا وامرأة تطبخ له ما يريد من أشهى الأطباق، فجرت إلى أمها لتخبرها، فتلقت المسكينة صفعة لم تستطع وصف ألمها، أخبرتني أنها لا تريد زواجا من رجل لا تحبه ولا تقبله وأن قلبها يرتعش وتتمنى لو أن روحها تسافر إلى خالقها، أخبرتني أن زوجها هذا مطلق ولديه أبناء وهي من ستعتني بهم، ستعتني بشباب أكبر منها سنا، وختمت قولها بعبارة “لا مفر فلا هروب من القدر”، تمنيت لو بإمكاني مد يد العون لكني لم أستطع.

تحرم الأنثى في القرى من أبسط حقوقها، يفرض عليها الإنجاب، تتألم الأنثى هناك، تموت حزنا، تشرب علقما، تغتصب الأنثى هناك وتجهض أحلامها!