طريق ستقطعها لوحدك!

بعد انتهاء الألعاب الأولمبية-طوكيو، المخيبة للآمال بالنسبة للمغرب، رغم ذهبية البقالي، كان لا بد أن ينضاف إلى مرارة مسلسل الإخفاقات الرياضية المستمر موقف محزن للغاية، وهو ما حدث معمريم النوغي، وهي عداءة مغربية في مراطون ضعاف البصر تجري لوحدها، في حين أن قانون اللعبة يستوعب أن يكون معها مرافق لتوجيهها وتجنيبها فخاخ السقوط الذي قد يؤثر في فرصها للفوز، في حين أن باقي عدائي الدول الأخرى المنافسين لها يجرون مع مرافقيهم.

في الظروف العادية، يمكن أن يكون هذا الفيديو مجرد حدث عابر لموقف ما كان ينبغي أن يحدث، ولكنه حدث، ويمكن أن يقع لمواطن أية دولة. لكن، -و”لكن” تُـلغي ما قبلها دوماً- حين يوضع هذا الموقف/الحدث في سياق الأحداث كلها، واستحضار مسلسل الإخفاقات الرياضية لا يمكن أن نرى في هذا الفيديو إلا “كتلةً من الأحزان”، تستدعي منا التأمل والتذكير بحقيقة مرة في وطننا هذا، الحبيب والعزيز علينا، رغم كل مُرّ، إلا إن حبنا له لا يمنعنا من رؤية الحقيقة، ومن قولها أيضا.

طبعا، من الممكن أن نتحدث عن حقائق متعددة، قد تكون جميعها مُــرةً، لكن الحقيقة التي أقصدها في هذا السياق هو حقيقة: “أنتَ وحيدٌ”، ولو قالوا: “ولد البلاد رْفْع راية البلاد”، ربما ينتبهون لك بعد أن تنجح، أما وأنت تخوض معركتك فلن يراك أحدٌ، وعليك أن تعاني لوحدك، عليك أن تخلق نجاحك لوحدك، وعليك أن تخلق ظروف نجاحك أيضا. عليك أن تخطط لحياتك ومستقبلك لوحدك، وعليك أن تجد لك موقعا بين “بعض أبناء وطنك” من زملائك وأصدقائك الذين هُيئت لهم الظروف، وأُريد لهم النجاح، وإن كنتَ تعرف أن إمكانياتهم ومواهبهم محدودة جدا. عليك أن تُنافس وإن كانت الفرص غير متكافئة. نعم، قد تكون مقاتلا وتنجح، وحينها لن تَـشعر بالانتماء، لكن الجميع سيريد أن ينتمي إليك، ويقول: قد فعلها ابن المغرب، ابن الشعب، ولنا الفخر.

في هذه الرحلة الشاقة، لترسم قصة نجاحك، سيكون عليك أن تُوطن نفسك على قبول شعور “أن تكون وحيدا”، لا تنتمي لأحد، ولا ينتمي إليك أحدٌ؛ لأنك المسؤول الوحيد عن تعبيد طريقك وتوجيه نفسك التوجيه الصحيح حتى وإن كنت لا تملك خبرةً لفعل ذلك، ستبكي لوحدك، وستسقط لوحدك، وسيكون عليك محاولة النهوض لوحدك، وحتى حين تقرر الاستسلام سيكون عليك أن تفعل ذلك لوحدك: لن يكون هناك أحد ليقول لك: “لا عليك، قد حاولتَ، والأمر لم ينجح”. ستأتي عليك لحظات تفقد فيها الأمان، وتشعر أن وجودك على وشك الانقراض، وتشعر بالحاجة لمن يهون عليك: كن متيقناً، أنت وحيدٌ، وعليك أن تتقبل ذلك.

قد تجد في كلامي “مجرد مبالغات”، لكن الواقع خير شاهدٍ ودليل، مَن انتظر أن يرافقه أحد في كتابة قصة نجاحه سيطول انتظاره، ومن سقط وينتظر العونَ من أحدٍ سيطول سقوطه، ومن عوّل على غيره سيهولُه كبر خيبته، ومن انتظر التشجيع من أحد سيُحبط مرارا وتكرارا. إن ثقافة النجاح عندنا منعدمة، هناك طريق وحيد أن تكون مقاتلا، لا يسأم ولا يستسلم، وستعاني.

آسف أن أقول لك أنه بالرغم من إيمانهم بالكتب المقدسة التي نؤمن بها فلن يرافقك أحد لكي تنجح، ولن يساعدك أحد لكي تنجح. وحتى إن نجح فسيريد أن تشق الطريق لوحدك بضعف بصرك بدون رفيق ولا منير ولا هادٍ لتذوق نفس المعاناة، وتجري نفس الأميال بنفس الطريقة بدون موجّه، بدون قدوة تتبعّها، بدون أستاذ يشد بيدك ويشجعك، بدون أي شيء. وحينما تصل لنقطة النهاية وتقطع أشواطا كبيرة وتنجح، سيجتمعون من حولك ويضعون الراية على كتفيك ويقولون لك: أنت قدوة العائلة ومفخرة الجامعة والمدينة والبلد، وأنت تعرف في قرارة نفسك بأنك قدوة ومفخرة نفسك فقط.

ويتساءلون بعد ذلك: لماذا يعاني المغاربة من مشكل الانتماء؟ المغربي يحس بوحدة مزمنة…لا ينتمي إلا لنفسه!

1xbet casino siteleri bahis siteleri