بين الأبيض والأسود

ما أصعب أن تعيش في صراع دائم بين شخصيتين، بين عالمين متناقضين، الأول ولد وتربى فيك منذ نعومة أظافرك، نشأت به ومعه، ذلك الوازع الخيِّر الذي غُرس فينا، حب ورحمة ورأفة بالغير، مسارعة للمساعدة، عفو وتسامح. والثاني تدركه بمرور الوقت، يتشكل داخلك حبة حبة، يجعل منك صخرة لعينة صلبة، لا تلين ولا تنصهر، حيث كلما تقدم بك العمر، زادتك الحياة تجاربا قاسية ومرة، تترك على ذاكرتك ندوبا من الصعب أن تنتسى.

ترى من خلال تلك الجروح الدامية بشاعة العالم، ليس من خلال ذاك الثقب الصغير، روايات، نشرات إخبارية وغيرها، بل من خلال منظار واسع العدسة، وجهته غابة متوحشة نعيش بداخلها، حيث كل واحد منا يتقمص دورا إما أن يكون الجلاد أو أن يحتم عليه دور الضحية، ينغلق داخل مبادئه وقيمه، ويعيش بها ومعها الخير والشر، لا ينتصر فيهم أحد لينتهي الصراع ولا يمتزجان ليسود السلام، فيظل الإنسان داخل دوامة الحيرة والتيه، أيعيش ويتصرف بمقتضى أحكام نشأته وتربيته؟ أم يتبع أسياد غابته في بطشهم ليخلق لنفسه مكانا بينهم ولا يصبح كبش فداء مطأطأ الرأس حياتنا، تلك الأربع والعشرون ساعة الروتينية التي ما تفتأ تنتهي واحدة حتى تبدأ الأخرى، عقارب ساعة صبيانية لا تسأم من ملاحقة بعضها البعض، لا تتوقف قليلا لترتاح وتريحنا من عذاب مجتمعاتنا الديكتاتورية، إن لم تأكل فيها ستأكل بكل تأكيد.

مقالات مرتبطة

أين نحن من كل هذا البطش والعدوان؟ أين موقعنا داخل عالم الحروب والنيران؟ إن اتبعت طريق الخير وغَلَّبت فيك الأبيض عن الأسود، ما أنا متأكدة من عبورك للضفة الأخرى، ضفة النجاح والتألق، فالطريق وعرة، مليئة بأشواك الغدر والخيانة، مكتظة بعيون الحقد والكره التي تنتظر وقوعك لتفتك بك وتفصل لحمك عن عظمك دون شفقة ولا رحمة، ذلك إن وقفت من الأصل، ما أنا متيقنة من إمكانية تسلقك سلالم النجاة ووصولك إلى القمة وأنت مسلح بالحقوق ونصوص القانون وتلك القيم السامية التي أضحت لا تمثل شيئا سوى أفكارا بالية ومسلمات رجعية داخل مجتمعات غزتها الرشوة وسكنت أعماقها المصالح فلم يعد يتقدم إلى الأمام إلا أصحاب الأنساب والعلاقات الاجتماعية وأولي الرصيد البنكي الضخم، لتبقى الأدمغة تتضارب في الصفوف الخلفية بينها منتظرة أن يحين دورها يوما ما، كل تلك الشواهد والدراسات الجامعية لم تعد تثمن بقيمة، لا سيما داخل مجتمعاتنا العربية حيث الحقوق مهضومة؛ حيث يتغلغل الظلم ويغيب العدل وتنصهر العدالة.

مجتمعات عربية هيمنت فيها التفاهة وحكمها ذوو المال معاقو التفكير، تلك العقول الفارغة، فلم تعد تعير الاهتمام إلا لهم، وبذلك تسير المجتمعات الأوروبية نحو التقدم ونرجع نحن إلى غيابات الجهل والظلمات، لكن، لما نقبل نحن الشباب العربي هذا الواقع المرير، ما الذي يمنعنا من الرجوع إلى ازدهارنا السابق الذي نشأ مع ابن سينا، ابن النفيس، جابر ابن حيان وكبار العلماء العرب، لماذا لا ندحض كل أشكال الطغيان والسيطرة بالجهل ونزيل كل ذي منصب لا يستحقه، فواقعنا وعينا، وتقدمنا ثقافتنا وتطورنا عملنا، وبالعلم ينصهر الجهل وبالقيم تزهق الرجعيات وباحتلال الشباب العربي الواعي المقاعد السياسية يسمو الوطن. فكفانا قبولا لظلم ندركه كل الإدراك ودعونا نهمل التفاهات ونتحد كالبنيان المرصوص لنأخذ بزمام الأمور.

1xbet casino siteleri bahis siteleri