عن عمره فيما أفناه!

توسد ذراعه شاردا وخافقه بين ضلوعه يئن، هم كبير أثقل كاهله. شارفت حصة اليوم على البدء: حصته من اللوم والعتاب وجلد الذات، عادته البغيضة التي استعمرت أيامه الأخيرة…لا يعلم ما الذي حدث، أصبح مغيبا متبلد المشاعر، تنْفرط منه الأيام كأنها لآلئ سوار طفلة تمزق وتناثرت حباته. فقدت حياته رونقها، كأن أحدا ما التقطه من ألوان طيفها السبعة وألقى به في جوف أخرى شاحبة، خالية من الملامح؛ وهو ساكن لا يحرك ساكنا.

أضحت كل أيامه متشابهة، روتينية ومليئة بالراحة المتعبة حد الوجع،  لقد مل من اجترار الأحداث وتكرار الأوقات، معضلته الكبرى لم تكن عن فترة راحة أو نقاهة بمعناهما الطبيعي المعتاد، بل عن كونهما نمطا للعيش. ماذا يكون هذا الخراب الذي حل به؟
إنه الفراغ: سرطان الوقت القاتل، الذي وأد كل الأماني والأحلام التي راودته عن تطوير نفسه، عن تنظيم وقته والمضي نحو أهدافه، فركن إلى التسويف!

لعنة سوداء أخرى تسلطت عليه، بعثرت أوراقه وأوهمته أنه سيفعل كل شيء فيما بعد، لم يكن لذلك سوى نتيجة واحدة: هو الآن في عطلة أبدية! يرجو بالتأكيد أن يتعلم شيئا جديدا يثير اهتماماته، لا بأس سيفعل ذلك بعد مشاهدة بضع حلقات من مسلسله المفضل، سيبدأ حياة جديدة في الصباح الباكر، سيصنع المعجزات بعد أن يستيقظ من قيلولته القصيرة التي لا تنتهي قبل ثلاث ساعات.

يبدو أنه وقع في كمين اللذة الزائلة ونسي أن عمره ينقضي بينما هو يؤجل كل شيء إلى وقت لاحق لا يدري إن كان سيدركه، مقابل راحة لحظية ستورثه الشقاء والندم في نهاية اليوم، يومه الذي أضحى دون معالم تميز بدايته عن نهايته، لقد أصبح سجينا في منطقة الراحة أو كهفه المظلم الذي يخلو من الغاية والمعنى، هو فقط يستنزف طاقته ويستهلك روحه، لقد وجد نفسه فعليا: ميتا على قيد الحياة!

مقالات مرتبطة

مهلا.. لا يمكن أن تكون النهاية على هذا النحو، أليس كذلك؟ لم يكن يوما يرغب في حياة كهذه، وإلا لما خيم عليه هذا الحزن الكئيب، إنه يمْقت التعطل ويكره الخمول والكسل، وأكثر ما يخيفه أن تظل حياته خاوية ثم تنتهي وهو على حاله، تلك الخاطرة ترعبه، بل تعذبه وتقض مضجعه، غير أنه ما يزال مكبلا، أسيرا في معركة التخبط القائمة بداخله، وهو يقاوم بضعف وبؤس هزيمته التي تكاد تشل كل محاولاته للنهضة، والتخلص من الركود الذي استقر في أيامه. أسئلته المزعجة تتعملق وتحدث ضوضاء مريعة أصابته بالصداع، لقد أصبح كل شيء جحيما لا يطاق!

لم يعد يحتمل.. باعد أهدابه ليخترق بينهما نور أوقف سيل الأفكار التي تزاحمت داخل جمجمته، فكشف عن عينين سوداوين واسعتين، انزوى فيهما تيهٌ وحيرة كبيران، وشبح وميض هزيل خافت يتشبث بالبقاء، بدت تلكما العينان كليْلٍ مرصع بالنجوم في ليلة غيماء.

نهض متثاقلا وتمتم بخفوت: ما نيل المطالب بالتمني يا هذا! كان مدركا أنه من الصعب أن يتخلص من ضعفه وفوضاه بغير كثير من الألم والصبر، لكنه يعلم في المقابل أن العودة للذات أول خطوة ثابتة للثورة على حاله البائس، وأن كل سلوك ينتج عن فكرة في المقام الأول، وأن استمرار السعي يقتضي حتمية الوصول!

دبت الحياة في أوصاله من جديد، تنفس بعمق واستدار ببعض عزم ليشق طريقه، فاصطدمت نظراته بتلك اللافتة المعلقة في أعلى الجدار المقابل، كانت دائما هناك لكنه لم يعرْها انتباهه، بل يكلف نفسه عناء النظر إليها حتى، لقد كانت تحتضن حديثا شريفا كتب بخطوط عربية متداخلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربعٍ عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله منْ أيْن اكْتسبه وفيما أنفقه“. تبسم في حبور، لم يكن الأمر صدفة بالتأكيد! Looking for wife? Best websites where you can find mail order brides https://eduzorro.com/websites/section/ukrainian-dating/ with real reviews. Find your love now. Best dating sites.