حياتنا جميعا لم تنتهِ ما دمنا على قيد الحياة

ذلك الحي الناظر المطلع على كل ما تقوم به وكل ما تجتهد في تحقيقه، لا يريد منك أن تنتظر الثناء والمديح والشكر من أحد. من طبيعة الإنسان أنه يريد سماع كلمة شكراً لرفع معنوياته، أو ربما لأشياء أخرى أجهلها. لكن ذلك الانتظار لن يسلب منك سوى السكينة والإخلاص والتفاني في العمل الذي تقوم به، إن أثنى عليك أحد اشكره وإن لم يفعل ليس بنقصان، ليس بشيء هو ملزم بفعله ولا ينبغي أن يقلقك. بل اجعل كل أمر لله وقلقك الدائم حول رضا الله واسأل نفسك دوما عما فعلته، أو ما أنت عاكف على فعله. رضا الناس غاية لا تدرك، وإن أفنيت عمرك في انتظارها لن تستنزف سوى طاقتك، وسيكون حتما سقوطك في بحر التحسر والكآبة والبؤس أمرا واقع لا محالة.

لطالما بحثنا عن الراحة والاستقرار، ظنا منا أن كسبهم يكمن في الحصول على أحدث هاتف نقال، أو أحدث سيارة وأفخم البيوت والأفرشة وأعلى أجر وأجمل الثياب، ونسينا أن معظم هذه الأشياء لا يتحقق إلا بعون الله أولا وأناس مهدوا لنا الطريق وكانوا إلينا سندا للوصول لما نحن عليه اليوم.

إن خلق الاعتراف بالآخر أضحى اليوم خلقا ليس ذا أهمية وأصحابه باتو نسيا منسيا، بحجة أنه ليس بمرئي. الكل منا يعمل على قضاء مصلحته بطريقة أو بأخرى، وما أن يبلغ مراده حتى يختفي وتختفي معه كل الوعود والأوهام التي كان يعد بها، لتصفعك الحقيقة فيما بعد وتزيح الحجاب عنهم، فتستفيق من حلمك وتنظر لنفسك نظرة واحد أبله كان محاطا بأموات، لا نفع يرجى منهم ولا خير. كفانا رهبانا وبهتانا، لننظر للإنسانية نظرة خير ورحمة وود. فمستقبلنا بأيدينا، كبشر ميزنا الرحمن بعقل لِنُعَمِّرَ في الأرض ونزرع فيها إصلاحا وننعم بقلب مطمئن وطاهر، لا أن نعيش على وقع خيبات أمل وحسرات.

من وجهة نظري أن الراحة والسكينة أمران إدراكهما مرهون بإفصاحنا عما نشعر به. جرب أن تفصح عن كل ما تخفيه أو كل ما تسعى في إخفائه عن الناس، جرب أن تمسك القلم والورق، وسترى بعدها كيف تتجلى أمامك كل الأحاسيس والجزء الثاني من شخصيتك الخفية. ماذا إن أفصحت عما في سريرتك وأزحت الحجاب عن رواسبك التي لطالما تكتلت في قلبك؟

إن الشيء الذي كان ولا يزال يثير فضولي على الدوام، هو ذلك العزوف عن إظهار مشاعرنا للآخرين. وكثيرا ما أتساءل حيال هذا وأردد بتكرار على مسامع عائلتي وأقربائي، لماذا ننتظر حتى موت الإنسان لنقول كل ما كنا نشعر به تجاهه، أو نقدر عطاءات الإنسان بعد التحاق الروح بالرفيق الأعلى؟ لا جدوى من الحب والود والإنسانية الآن. عندما كان مأذونا أن نفصح عن كل تلك المشاعر لم نفعل، فما الضير في ذلك؟نمضي بعدها ما بقي من عمرنا في التحسر على عدم البوح، يمنعنا الكبرياء القاتل من إظهار حبنا للآخر أُمَّاً، أبا، أخا، صديقا، وافعل ذلك على سائر المحاسن، الاحترام، والصدق والإخلاص.

إن كنت ترى في الآخر على كونه أمينا، ودوداً، مخلصا، ثاقبا في الرأي، أخبره بكل مزياه. لا تبحث عما يعكر صفوك وصفوه، عما يقلل من ودكما، لا تدع حبلا متينا إن كان أم في طريقه نحو المتانة أن ينقطع، أيا كان السبب، ما عاد الاحترام الذي هو سبب وجود ودوام جميع العلاقات وزواله أمرا محكوما من عدمها.

صلاح الإنسان في كثير من الأحيان لا يحتاج سوى ميزة هو يجهلها، وما أن يثني عليه الآخر بها حتى يستفيق من وهم انحطاط الذات والسلبيات. ما أدراك؟ ربما ذلك الثناء، تلك الميزة توقظ في قلبه شعلة التغيير والتبديل. كيف لا وأنت إنسان، نعم إنسان.

كلمة واحدة، كفيلة بأن تحيي قلبا بائسا ووجها عابسا، دائما ما أجالس جدتي البالغة من العمر 81 سنة والتي استمرت في سقي كل يوم من تجارب حياتها الثمينة، ومن عشرتها الصادقة والوفية التي صنعت بها تغييرات عظيمة في نظري وحقيقية في نفوس الكثيرين، بمجرد كلمة واحدة أو كلمات استطاعت تأسيس أسرة، والأهم من ذلك أنها سعت في استمرار وجمع شمل أسرتها، فعلا امرأة أوتيت من الصبر والرزانة ما أوتيت ومنحتني أيضا أما مثالية. لقد حظيت بشرف العيش وسط أشخاص جسدوا كلمة الإنسانية بأسمى قيمها، وأوسع معانيها رقيا، نبلا وأخلاقا.

حياتنا جميعا لم تنتهِ ما دمنا على قيد الحياة، نحن من نقرر مصيرها.

1xbet casino siteleri bahis siteleri