فجوة الأوهام
السوشيال ميديا عالم تغمره المثالية والكمال، سعادة دائمة، نجاحات وتجارب متتالية ومظاهر جذابة. وقع هذا الموضوع على الأشخاص سلبي خطير لمن لا يملك مناعة فكرية عالية؛ إذ يأخذ بنفسية الكثير إلى الحضيض، لدرجة أن العديد من الأشخاص أصبحوا يشعرون بالإحباط في كل مرة يفتحون فيها تطبيقا من التطبيقات، صورة بعد صورة وحالة بعد حالة كفيلة لتتعب نفسية المرء ويشعر أنه صاحب أسوء حظ، وبأن حياته مملة وناقصة عن غيره، ليبدأ في محاولة السعي لعيش شيء مشابه لذلك وهذا كفيل بإدخاله في صراعات نفسية حقيقية، يشعر خلالها بالدونية واحتقار الذات.
غير أنه لو نظر للصورة جيدا بنظرة حقيقة كاملة، لتذكر أنه لا يرى سوى الهامش المثالي الذي يقوم الآخر بمشاركته، وأن تلك الصور هي فقط جزء من الثانية بحياة صاحبها وليست كل حياته، فمن الصعب أن ينشر الشخص خيبات أمله ومعاناته ولحظات فشله وهفواته والجزء المخجل من حياته؛ فالإنسان بطبعه يحب أن يظهر محاسنه ويبرز في أحسن صورة حتى وإن كلفه ذلك الكثير من التصنع، كل شيء في سبيل لفت الأنظار وإحراز عدد كبير من الإعجابات. ما يروج في وسائل التواصل الاجتماعي ليس صحيحا؛ فالحياة غير مكلفة أو صعبة لذلك الحد، والأخطر هو أن الشهرة، والتملك والمتعة أصبحت غاية الوجود الإنساني.
لسنا ضد السوشيال ميديا وإنما ضد سحب الإنسان من موقع التكريم والاستخلاف إلى مواقع دون أدنى قيمة، ضد بيع الوهم والتضليل، بهدف الترويج لثقافة استهلاكية محضة والإسراف والتبذير والرغبة المجنونة في الشهرة واتباع المتع الزائفة، ضد فقدان هويتنا الحقيقة وقيمتنا الإنسانية.
“إنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا” تجعلك تتوقف حتى تعيد ترتيب أولوياتك من جديد، وتعي ما يحصل لك ويحصل لمن هم حولك قبل أن تدخل دوامة السوشيال ميديا، تحرص على انتقاء ما ينفعك دون أن تستسلم للضغط المجتمعي وتنجرف وراء الجموع. لا شك أن الشعور بالقيمة وترك أثر ملحوظ في هذا العالم احتياج لدينا جميعا، لكن ما لا ندركه هو أن الأثر الكبير يكون في أبسط تفاصيل حياتنا الصغيرة، وأن قيمتنا الحقيقة هي معرفتنا لأنفسنا بعيدا عن الأهداف المادية.
ختاما، اتبع السير خطوة خطوة، دون مقارنة ذاتك ورزقك ومحيطك بالآخرين لأن التنافس الحقيقي يكون بين المرء وذاته، فلا تحاول أن تسعى وتطمح لتكون نسخة مكررة من حياة أشخاص آخرين وتفقد حياتك، يقول ﷺ: “انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمةَ الله عليكم.” فالإنسان كلما نظر إلى من يفوقه في أمور الدنيا من مال ومظهر كلما صغرت في عينه نعم الله عليه.
لا تختزل نفسك فيما تملك فأنت أكبر بكثير من ذلك، عش حياتك بواقعها حلوها ومرها، ببساطتها وبتجاربها الحقيقة بعيدا عن كل ما قد يشوبها من ظواهر الوهم والزيف واللاواقعية، سر بما أعطاك الله فهو كفيل بأمرك، سيرزقك من حيث لا تحتسب، وستفتتح لك أبواب لم تكن لتعلم بها فقط، حافظ على موقعك ولا تنس الغاية الأسمى من وجودك على هذه البسيطة.