ثماني عشرة سنة

وكأن الذي جعل سن الثامنة عشر هو السن القانوني الذي تعترف به الدولة بك اعترافا تاما على أنك شاب واع ومسؤول عن قراراته لم يكن اعتباطا البتة؛ فبعد بلوغ هذا السن تبدأ رحلتك الحقيقية في الحياة من طفل قاصر يقف وراءه جدار صامد مسؤول عليه ولا يأبه بأي من تفاصيل أيامه إلى بالغٍ مسؤول عن كل كبيرة وصغيرة في حياته عن كل خطأ اقترفه وعن كل خطوة خطاها، ستبدأ في البحث عن كينونتك وعن نفسك والتدقيق في تفاصيل حياتك والتمعن في معتقداتك والتأسف على بعض حماقاتك في الماضي والتدقيق في منشوراتك على مواقع التواصل الاجتماعي متعجبا ومتسائلا: هل أنا حقا من نشر هذه التدوينة؟ هل هذا التعليق يعود لي حقا؟ ولولا اسمك البارز فوقه لكذبت نفسك من هول صدمتك بها ولن تتردد ولو ثانية في التخلص من تلك المنشورات وكأنك تقتلعها من داخلك اقتلاعا ينفي استمرار إيمانك بها.

بعد هذا السن، ستعي ما لك وما عليك حقا، وستدخل في صراعات مع محيطك متسائلا عما لك وما لم تحصل عليه وستتماطل في تأدية بعض مما عليك، سيبدأ ضغط المجتمع على أنك ذو عقل وأنك بت مسؤولا ولا يحق لك اقتراف الخطأ وكأنك ملاك وليس إنسانا خطاء، ستبدأ في البحث عن المعاني الحقيقية وراء كل جملة وجهت لك، أما الأشياء التي كنت تظن أنك مجبر على تأديتها ستصبح اختيارك الوحيد لتنقذ نفسك. هنا ستدرك المعنى الحقيقي للرضا بالقضاء والقدر وأنه ليس جملة نؤمن بها وكفى، وإنما وقائع لا بد أن تصبر وتصابر عليها مهما كانت تبدو صعبة وتتيقن بأن الخير من وراءها آتٍ لا محالة.

ستجد نفسك أمام العديد من الاختيارات التي لا تدري أيها أصح أو أيها خاطئ وستجبر على خوض إحداها مهما كلفك الثمن، قد تكون صحيحة وتستمر وقد يكون العكس وتسقط وتتعثر وما من أحد غيرك سينقذك وسيعيد إيمانك بنفسك الذي ستكون مجبرا إجبارا تاماًّ على استرجاعه بغاية الاستمرار، ستغويك حيوات الآخرين وستجعلك تقف أمام الكثير من الأماني والأحلام التي لن تبلغها إن لم تشتغل عليها ليل نهار، إن لم تتخلى عن كل تجمعات البسط وتتمعن في مرارة القهوة كل بضع ساعات لأجلها، ولن تبخل الحياة في تلقينك العديد من الدروس الأليمة التي ستفتح عينيك عما يجول في أطرافك والتي لا تعلم بأي منها ستحتفظ وعلى أي منها ستمر مرار الكرام،

ستصفعك الحياة مرارا وتكرارا دون ملل أو كلل لتسقطك أميالا بعد أن صعدت ميلا، ولترجعك خطوات بعد أن تقدمت خطوة، ستسعدك أيضا لتضمن أنك ستذوق مرارة الحزن في أجمل حلة، ستجد نفسك كل شهر وكل أسبوع وكل يوم في نسخة جديدة ومبادئ أخرى وتحديات أكثر خطورة مما مضى. ومن أهم الأشياء الأصدقاء يا عزيزي، كن عقلانيا في اختيارهم فصحبتك مرآة لك، أحسن التعامل معهم ولا تسقط أيا من مبادئك لأجل واحد منهم، وكن دائما على أهبة الاستعداد لمفارقة بعض منهم، في البداية ستجد الأمر عسيرا، كيف لشخص أمضيت معه كل هذه المدة وشاركت معه كل مشاعري أن نفترق، اعلم أنه جزء من كتابك وانقضى وأن الطريق تستمر.

ستعيش صدمات بعدد الأسابيع والأيام التي ستمر منها وهنا ستبدأ في البحث عن الغاية الكبرى من الدنيا، وكل ما سأقول لك الصلاة يا عزيزي والذكر والتقرب إلى الله عز وجل هو مفتاح لكل شيء، اربط أمتعتك وتحصن بالله وتذكر أن ما ستمر به يا صديقي فأنت لست وحدك فيه، الجميع يمر منه، تختلف فقط أساليب القتال والصمود.

1xbet casino siteleri bahis siteleri