المعضلة الاجتماعية النفسية  

555

لا شك أن ما من أحد منكم يا معشر القُرَّاء إلا وارتاد أحد الأطباء النفسيين أو أنه يفكر لفعل ذلك، وإن لم يكن أي من هذا، فمن المؤكد أنك سمعت أن أحد الشبان في عائلتكم قد بدأ في الارتياد إليه بحجة “الاكتئاب”، وبعد فترة معينة بات يشتكي أن ما من شيء على ما يرام، وأنه يجدر به تغيير الطبيب بعد أن مر بمرحلة تغيير الأدوية لكنها لم تجدي نفعا. والحال يا أصدقائي أن الأمر أعمق من كونه تغييرا من طبيب للآخر، فالأطباء النفسيون أينما ارتحلت ستجدهم في انتظارك والأدوية متى ما لم تتوافق مع جسدك فلها البديل مؤكدا.

المشكل يكمن في كلمة “الاكتئاب” في حد ذاتها، وكيف أصبح يُرَّوج لها سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع، كيف بات العالم يدعي أنه كائن مكتئب، أو يمر بحالة اكتئاب وكأنه يشرب كأس ماء أخذه من صنبور المطبخ دون جهد أو عناء.

نعم، لقد بات تعريفنا للاكتئاب أمرا يهدد سلامتنا وسلامة الأجيال القادمة من منظوري الخاص، كإنسان ارتاد على مر خمس سنوات وقبل أن يتمم العشرين سنة أربعة أطباء نفسيين، طبيبة وثلاثة أطباء بحجة المعاناة مما يسمى بالاكتئاب ومن دون جدوى، مع الكثير من الخسارات ومن بينها والأكثر تأثيرا على قلبي عدم قدرتي على ممارسة حقي في التبرع بالدم لكوني أتعاطى مضادات اكتئاب تجعل دمي غير سليما للتبرع به.

قد يتساءل البعض منكم كيف أجرؤ على الاعتراف بذلك؟ في الحقيقة ألا أجد عيبا أبدا أن يذهب العالم إلى الطبيب النفسي ولا يتنافى أبدا هذا مع فلسفتي في الحياة، الأمراض النفسية رائجة وصعبة كما لو الأمراض العضوية، إلا أنني أجد المشكلة في السبب والدافع وراء ذلك. فليس من السليم والصحي أن أكون شخصا في مقتبل العمر وريعان الشباب طموحا ولدي الكثير من الأحلام والمخططات المستقبلية أن أدعي الاكتئاب لفشلي في أحد الامتحانات المصيرية أو تعثري في خطة ما كانت لتضمن لي قفزة نوعية في طريقي نحو المستقبل أو لعدم استطاعة والدي تلبية حاجاتي، أو لأن أحد أصدقائي أنهى علاقتنا من دون سبب أو لأنني خضت علاقة غرامية باءت بالفشل.

ألم نعتد على مشاركة “الفشل هو أول خطوات النجاح ” على حساباتنا في المواقع الافتراضية، ما الذي حصل فجأة؟! أم أن الاكتئاب الذي سببه فشل في امتحان ما جاء ليثبت حقيقة أن القول أسهل من الفعل! وأن ما يروج في الواقع مختلف تماما  عن ماهيته في المواقع.

خمس سنوات كفيلة بأن تكشف ستار الحقيقة وراء كرسي الطبيب النفسي وأن تغير فلسفتي عن الاكتئاب ككل. إن ما نعيشه اليوم كشباب في مقتبل العمر من فشل وخيبات وصدمات لن تقودنا إلى الاكتئاب الحقيقي أبدا، وأقصى ما قد تقودنا إليه هو الحزن العميق لا غير، ما أن تُحل المشكلة حتى يتلاشى الحزن كما لو أنه لم يكن. لا أستهين أبدا بهذه المرحلة إلا أنني أُقِرُّ وأجزم على أنها لا تستدعي تعاطي مضادات اكتئاب أبدا، وإن استعسر تجاوزها فعلاج نفسي بالكلام أفضل وأنجع.

أما الاكتئاب الحقيقي، بعيدا عن ما يُرَوَّج له ومن منظوري الخاص هو الحالات التي تعجز عجزا تاما عن محاربة أفكارها السلبية، إذ تستطيع الإقدام على وضع حد لحياتها دون أن تفكر لوهلة واحدة، الحالات التي لا تستطيع أن تحافظ على توازنها العقلي والسلوكي، الحالات التي ما إن غاب عنها الدواء إلا واختل نظامها النفسي. هنا وجب زيارة الطبيب النفسي المرافق المعالج وليس الذي يجلس على كرسيه مع المريض لعشر دقائق ثم يصف له الدواء ويضع موعدا بعد أربعة أسابيع ويرسله. هل عشر دقائق كفيلة بأن تُشَخِّص إنسانا مجهولا لا تعرف عنه أي شيء إلا ما استطاع قوله في تلك الدقائق المعدودة؟ لا أعتقد ذلك أبدا!

أرجو من الشباب خاصة ومن الناس عامة أن نعي تمام الوعي بأن الحياة ليست طبقا من ذهب، وأن العزم على وصول القمة دون أي تدحرج نحو الأسفل من البلادة والحماقة، وأن المرور بفترات صعبة نفقد خلاها بوصلة الطريق كائن وسيكون وأن ما نمر منه، كأناس يحبون الحياة والمرح، في فترات زمنية معينة ما هو إلى حزن عميق وليس اكتئابا كما يُروّج له، وأن مضادات الاكتئاب ليست بالحبات السحرية التي تُذهب الكآبة والحزن وتحلُّ المشاكل والصعوبات، وأن التغيير نحو الأفضل يبدأ بفكرة ثم سجدة ثم عمل وسعي.

1xbet casino siteleri bahis siteleri