معضلة الحب بين التضحية والعطاء!

الحب، الود، العشق، الشوق، الإعجاب والهيام، كلها مصطلحات جدلية لا يتطرق إليها في العلن، لكن بالمقابل لا يخلو قلب إنسان من تبعيات هاته الكلمات لوقعها العميق في أفئدة الناس، فمن هذا الذي يستطيع منع نفسه بالانصياع لهذه المشاعر والانصهار في حممها، ثم ما هي في الأصل ماهية هذه المشاعر وكيف يبدأ سريان تأثيرها على الإنسان؟

لا شك أننا شاهدنا ولا نزال نشاهد سيناريوهات عديدة يتشابه معظمها في كيفية سرد مراحل تطور هذا الشعور، منذ أول وهلة تتسارع فيها ضربات القلب معلنة عن استسلام المحب لتأثير المحبوب عليه، مصحوبة بكثير من الحماس المفرط و استباق التوقعات المبالغ فيها بشأن الطرف الآخر، حيث يبدأ المرء بالتخلي عن حقيقته والابتعاد عن واقعه متناسيا أهدافه وغاية وجوده، في سبيل إرضاء الآخر حتى لو كان ذلك على حساب مبادئه، فبالنسبة له في الأول والأخير هو يخدم مصالحه، إلا أنه في الواقع يخدم كل شيء سوى مصالح ذاته بالتضحية بحقه على نفسه، مما يؤدي لا محالة في معظم الأحيان إلى انقلاب الموازين.

حين تكشف الحجب وتظهر حقيقة الإنسان الذي كان يتنكر لواقعه بغية الحصول على اهتمام الطرف الآخر، واستكمال جرعاته من الرضا والإطراء المزيف والانبهار بكلمات الحب والثناء التي يلقي بها كلا الطرفان على مسامع بعضهما البعض، فيصبح بعد ذلك الإنسان غير قادر على الاستمرار في أداء دور يجبره على تقبل هذا التناقض تحت لواء التضحية، في سبيل ضمان مكانة مرموقة في قلب الآخر، ولا يظل المرء يحاول جاهدا في لعبة التنكر هذه حتى يبلغ السيل الزبى، فينفجر كل منهما صارخا بعاداته وسلوكه مهما تعارض مع شخص الطرف الآخر وتوقعاته، لتبدأ بذلك خيبات الأمل وإعادة ترتيب الأوراق ومساءلة النفس عن مدى صحة اختياره الشخص المناسب.

منذ متى كانت التضحية ركيزة من ركائز الحب الأساسية؟ معظم التصورات التي نملكها عن الحب والتضحية من أجل المحب منبعها ما تبثه وسائل الإعلام من الأفلام والطريقة المادية التي يسوق بها لمفهوم الحب؛ فالحب الحقيقي لا يفتر مع مرور الوقت بل ينضج ويتطور، فالحب مراحل، تؤتى بقدرة الشخص على العطاء، أن يعطي الإنسان من احترامه وتقديره وصبره، أن يعطي الإنسان المحب من أهم ما يملك، من وقته واهتمامه، حتى يصبح على دراية وإدراك تام لاحتياجات الشخص الذي يحبه، فيكون عونا له ويأخذ بيده حتى يبلغ غايته بالطريقة التي يريدها هو ويمضي في طريقه كما يريد هو، فالحب الحقيقي هو أن يصل الإنسان إلى مرحلة يفصل فيها بين مصالحه الشخصية وعطائه، ويتقبل الآخر كما هو دونما السعي لتغييره بما يتماشى مع مقتضيات أفكاره ومعتقداته.

الحب قناعة وإرادة ورضا، الحب قرار عطاء دونما أخذ، الحب سبب مجيئنا وغاية وجودنا، هو غرس نزرعه قبل رحيلنا دون انتظار قطف ثماره، الحب طريقة حياة يتبناها الإنسان المتحرر من قيود نفسه الأمارة عليه، فلا يكون الحب متعلقا بالشخص الذي نحبه بل بوقع أثر العطاء اللامشروط الذي نقدمه على أفئدتنا، فسواء كان الشخص مناسبا أم لا، لا يؤثر ذلك على صدق نية المحب ولا ينقص من عطائه، فيخرج بذلك الحب من القالب المادي الذي تتخلله قيود الصور النمطية التي تستنفذ طاقة صاحبه، ليتدفق مع كل متحرر يسير بالحب في حياته.

فلا يكون بعد ذلك نقاش حول الحب من خلال بعده المادي بل يرتقي إلى أبعاد أخرى لا ينال حصته منها من كانت حياته مقتصرة على الربح والخسارة والأخذ قبل العطاء.

1xbet casino siteleri bahis siteleri