الأنثى: صراع بين الكينونة وضغط المجتمع

“تكبرين بسرعة! تكبرين ويكبر طموحك وتزداد عزيمتك في الحفاظ على ما بقي من معتقدات طالما آمنت بها حد اليقين التام، بسلامتها جوهرا ومظهرا” قلت في نفسي..

 خلال مسيرتي الحياتية الممتدة لخمسة وعشرين عاما لاحظت كثيرا وأثار انتباهي مرارا وتكرارا اهتمام الناس المبالغ فيه والغير مبرر بمصير الأنثى منا في هذا العالم، عندما تكون المرأة في أسابيعها الأولى من الحمل تشرع في تصور طفلها في مخيلتها بتفاصيله الدقيقة بدءا بشكله وجنسه حجمه وصولا إلى لون عينيه وشعره، بعدها تنتقل إلى انتقاء اسمه وتجهيز غرفته بكل ما يلزم، بل أبعد من ذلك فهي تفكر في أساليب تربيته ونوع التعليم الذي يجب أن يتلقاه والمدرسة التي يجب أن يلجها والكثير من الآمال التي تكون مبنية على خلفية الأم. 

تحاول الأم دائما أن تنقل تلك العصارة التي جنتها من خلال تجاربها في الحياة لطفلها حتى يحظى بحياة أكرم، لكن مع اقتراب موعد وضع الجنين تقل معه كل تلك الأماني، فالأم تعي حينها أن أهم شيء في تلك الفترة هي صحة الجنين، كيفما كان شكله ولونه وجنسه، يظل هذا الشعور يرافق الأم إلى حين وصول الموعد، أي لحظة الحقيقة، حيث يشتد المغص والألم لا يكاد يبرح عضوا من جسمها إلا وقد هتك به، حينها فقط تدرك الأم أنه ما من شيء أهم من حياتها وصحتها هي فبدونها حتى لو نجى الجنين فهو لن يتمتع بأي من تلك الأشياء التي كانت تبنيها في مخيلتها ولن يستفيد منها لأنه إذا ذاب الأصل يذوب معه الفرع، حينها يبدأ صراع النجاة بين كل من الأم وطفلها، وبين الآلام والأوجاع التي تكاد تفتك بهما، ليكون النصر في الأخير حليف من كانت له عزيمة وإرادة أقوى وثقة ويقين بالله أكبر. 

مقالات مرتبطة

تنتصر الأم وطفلها في معركة الحياة، وتبدأ مسيرة التربية والإهتمام والتضحية من أجل إنتاج فرد صالح، إلى هنا لا يختلف الوضع سواء كان المولود ذكرا أم أنثى، كل يحظى بنفس القدر من الإهتمام والتضحيات وبذل الجهود من طرف الأب والأم، لكن مع مرور الوقت وبالموازاة مع اجتياز الأنثى لمراحل نموها المختلفة وخلافا للذكر، يبدأ نوع ملحوظ من التحيز وفرض السيطرة غير المسبوقة، حيث يبدأ الوالدان والإخوة والأقرباء وكل من له صلة قريبة كانت أو بعيدة بممارسة نوع معين من الضغط النفسي والاجتماعي عليها لتبني أهداف معينة ورسم مخططات حياتية تصب كلها أو جلها في صالح الآخر، وتكون في غالب الأحيان لا تمت بأي صلة بما قد تحلم به هذه الأنثى وما تنسجه في مخيلتها من أهداف ومبتغيات.

لا نتحدث هنا عن تلك الفتاة التي نشأت وسط أسرة تترك مساحة التفكير واتخاذ القرار بيد ابنتهم فقط لا أحد غيرها، بل نحن هنا نتناول موضوع تلك الفتاة البسيطة، الإنسانة التي لا ترغب لا في هذا ولا ذاك، الفتاة التي تقبع تحت ضغط مجتمعي وأسري مهول ينقلها بين ضرورة اختيار المسالك العلمية تارة لتسابق من هم في مثل سنها من الذكور، وأهمية التحلي بحس النقد والبلاغة اللغوية والفكرية تارة أخرى، إلى جانب من يدفعها في اتجاه الموضة والاهتمام المفرط بجمالها وأنوثتها ورشاقتها… إلى غير ذلك من معايير لا يمكن للإنسانة العادية البسيطة أن تجمع بينها في قالب المثالية المرضية.

فتجد الأنثى نفسها كورقة هائمة تنجرف وسط المياه فتقذفها هنا وهناك في محاولة منها كسب رضا جميع الأطراف أو بعضهم، لتبوء بالفشل في كل مرة. فإما أن تضع حدا لكل تلك الانتهاكات الصارخة لحياتها وحرمتها الخاصة وتنشغل بذاتها هي وشغفها هي في الحياة وسبب مجيئها لهذه الأرض فتكون من الفائزات، وإما أن تفسح المجال لكل من هب ودب ليمهد ويحدد مصير حياتها فتكون من التعيسات.

ولعل أهم عنصر لإنقاذ الأنثى في هذه المعادلة هو الأنثى نفسها، إلا أن المجتمع الصغير والكبير يلعب دورا أساسيا بدعمها وتشجيعها أو حتى بالكف عن التدخل في شؤونها الخاصة، فكل ميسر لما خلق له، وكل راع وكل مسؤول عن رعيته، والذات أولى برعايتها من قبل صاحبها فهي ملجأه وحصنه، إن صلحت صلحت أحواله في حياته ومماته، وإن فسدت فسدت عليه حياته قبل مماته.

1xbet casino siteleri bahis siteleri