ماذا عن نعمة دوام الرزق؟

من منا لا يعرف صديقا أو فردا من عائلته أو هو بنفسه يعاني من الأرق أو اضطرابات في النوم؟ وأنا في طريقي للعودة إلى المنزل كالعادة، ركبت الحافلة وجلست أتأمل في صمت وسط صخب الركاب داخل الحافلة وحركة السير خارجها، أطلقت العنان لبصري فبدأت أنظر حولي وأنا أحاول أن أستشعر كل ما يحيط بي بدءا من نفسي أولا. أردت أن أحصر عقلي في لحظة الآن دون الميل للماضي أو ترقب الغد، الشيء الذي يعد صعبا لكونه يستوجب تركيزا كبيرا وحضورا تاما، ولا يتم ذلك إلا بالتحكم في سلسلة الأفكار اللامتناهية وتوجيه تدفقها، فهي التي تقودك إلى الأيام الخوالي تارة أو إلى القادم المجهول تارة أخرى.
وفي ظل محاولاتي هذه لفت انتباهي موضوع النعم وأهمية شكرها واستشعارها، فبدأت بتعداد نعم الله علي وتذكر حالي قبل النعمة وكيف كان رجائي في الرزاق سبحانه، فجأة اخترق حديث إحدى الراكبات مسامعي معكرا صفو تلك اللحظة، حاولت أن أبقي على تركيزي لتبدأ إحداهن بالشكوى من معاناتها مع اضطرابات النوم وبأنها تلجأ إلى بعض المسكنات لتتمكن من النوم. فتبادر إلى ذهني سؤال جلي، ما الشيء أو الرزق الذي إن أنا أوتيته تكون خشيتي منه أشد؟
لم تكن الإجابة عن هذا السؤال مستعصية بقدر السؤال نفسه، فقد أدركت أن أعظم نعمة يؤتيها الله عباده هي دوام الرزق واستمرارية النعم، فيصبح الإنسان معتادا على نعمة ما بعد أن كان يستفيض في الدعاء ويلح في الطلب من الرزاق جل وعلا، وما هي إلا فترة حتى تتم استجابة الدعاء فيتم تصنيف الرزق الجديد ضمن قائمة الأرزاق والنعم اللامنتهية عددا وأجلا، فيسقط الإنسان في إيهام نفسه التي اعتادت هي الأخرى أن تتغذى على الأوهام متناسية حقيقة أن دوام الحال من المحال، وأن التغيير من سنن الله في الكون ومن مسلمات الحياة لا يمكن إخضاعها لمبدأ أو قانون من قوانين الرياضيات والعلوم، ونعتبرها ثابتة متى نشاء وكيفما نشاء، فلا شيء ثابت وما من رزق يدوم إلا بمشيئة الله وفضله.
هنا تكمن خشيتي من دوام النعمة وبقائها، فنحن لا نكاد نستشعر عظمة النعم إلا وقت الشدائد وخاصة عند المرض، وأبلغ مثال على ذلك أنني طالما سمعت بالأرق ومدى صعوبة المعاناة منه ومجابهة أعراضه لكني لم أستوعب مدى خطورة الأمر والمضاعفات الناتجة عن هذا المرض إلى أن أصبت به، فاكتشفت فعلا كم كنت أجهل المعنى العميق والأليم لعبارة “لا أستطيع النوم” وأنا التي كنت ما إن أضع رأسي على الوسادة حتى أجدني أسبح في محيط مخيلتي الشاسع، فكان بالنسبة لي قضاء الليل بأكمله ورغبة شديدة في النوم تجتاحني دونما أن أجد لذلك سبيلا…شيء لم يكن في الحسبان أبدا، ليس ذلك وحسب، فمن بين مضاعفات هذا السقم أنه يكسبك عادات وسلوكيات كنت محميا منها كالغضب والتعصب والنرفزة وغيرها من الطباع السلبية.
ولأزيدك من الشعر بيتا، ففكرة أن النوم لا يجد سبيله إليك تؤثر على نفسيتك لدرجة أنك تصبح متشائما وكئيبا منهزما مهما بلغت ثقتك بنفسك، بل ويولد لدى الإنسان شعور بعدم الرضا فيبدأ في استصغار نفسه ومقارنتها مع غيره ليدخل بذلك في متاهة تفقده زمام أمر نفسه فيضيع في غياهبها.
تيقنت أن الحرمان من النوم ليلا لا يعوضه النوم خلال النهار أبدا، فكل شيء يؤتي أكله عندما يتم في مكانه ووقته الصحيحين، أدركت فعلا أن الإنسان لا يدرك قيمة الشيء إلا بعد فقدانه، وأضيف أن التجارب هي التي تعلم الإنسان حقا وتجعله يحيط بجميع خبايا الأمور، وبذلك تجعل منه إنسانا حذرا يخطو خطواته بثبات لكن واثق، تجعل منه صانع قرار.
فرق كبير بين معرفة الشيء وإدراكه، ويمكن القول إن الإدراك هو بلوغ مستوى معين من المعرفة ولا يتم ذلك إلا بالتجربة. توصلت إلى أن أولئك الذين يأخذهم الغرور ويدعون فهم كل شيء هم في الحقيقة لا يدركون مدى جهلهم، فالإنسان الذي يعرف حقا لا يغفل أبدا عن حقيقة أنه لا يعرف شيئا. ما جعلني أستشعر كلمات تلك السيدة وهي تعبر عن مدى اشتياقها للنوم دون معاناة.
اضمحلت الهمة وأصبح الكثيرون في غفلة، الغفلة عن أن الصحة رزق يؤتيه الله من يشاء وينزعه ممن يشاء، فإن كنت غير مبال كونك بصحة جيدة فلا تنس أن امتلاك النعمة لا يضمن لك دوامها، فالحمد لله على الرزق والحمد لله على دوام النعم.
1xbet casino siteleri bahis siteleri