حقيقة التغيير: كيف أغير من نفسي للأفضل؟
التغيير من المصطلحات المقدسة التي يسعى لها كل من في الوجود، وما دمنا نتحدث عن الشق الإيجابي لهذا المصطلح الفلسفي المعقد فنحن نتحدث عن الاستمرارية واللامتناهي؛ إذ لا توجد حدود للتغيير، قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فنحن لا نعيش في عالم المثل؛ إذ بنا نقلد فقط، نقلد فكرة الكمال، فكرة الجمال، البياض، الغنى. فعالم المثل والمثالية هو عالم الإله، ولهذا مهما وصل المرء إلى درجة من العلم أو الغنى يبقى التغيير نحو الأحسن خيارا متاحا دائما؛ لأن هناك دائما الأفضل والأغنى والأجمل.
يشمل التغيير مختلف القطاعات والمجالات؛ فهو مفهوم لامتناهٍ يرتبط بالذات والاكتفاء، نجده في الثقافة والاقتصاد والسياسة؛ إذ إن أغلب شعارات الدول والحكومات يتصدرها التغيير والسعي نحو التغيير، والسعي نحو الأفضل، نجده في الحياة بصورة عامة؛ فالشاب يسعى إلى حياة دون قيود تكبل إبداعاته وحركيته دون زبونيات ولا محسوبيات، يسعى إلى فرص خالية من أية قوانين سائدة تجعله فائزا بذاته ومحققا لشخصه.
تأمل الفتاة حياة خالية من العقد المجتمعية الذكورية التي تختزل قدراتها وطموحاتها وعقلها وعاطفتها وأحلامها في رجل، في جسد وكتلة لحم تنحصر في السرير. تسعى لتكون ذات كيان وقوة لتكون على الأقل قادرة على حماية نفسها من مفاهيم فاسدة وعقول انتهت مدة صلاحيتها. ويسعى الموظف إلى تغيير نظام العمل الفاشل وحذف الرؤساء المخبولين النرجسيين التافهين. يأمل الطفل أن يكبر ويأمل المسن أن يصغر سعيا لحياة نشيطة لا يركن فيها في زاوية البيت، يسمع إلى إذاعات الأخبار والمواعظ منتظرا الموت.
كل منا في سعي مستمر نحو أفضل نسخة تخصه باستمرارية دون توقف ولا تعب، في عالم مليء بالحركة والتطور والنمو، لا تتوقف فيه الخلايا عن الانقسام، لا يتوقف جريان دمك ولا دقات قلبك، شعرك وأظافرك في نمو مستمر، لن يتوقف المد والجزر عن التعاقب، ولا قلب أمك عن محبتك. الكل يحيا ويموت ويجري ويتعاقب، ليس هنالك وقت للتفكير مرتين ولا لأخذ قسط من الراحة فيه تجعل من أحلامك صورا خيالية محبوسة في مخيلتك، إذ إن أكبر عائق لعميلة التغيير هو تصغير الذات الذي من شأنه أن يجعلك تشعر بعجز في التغيير رغم الإدراك التام لحاجتك الى هذا الأخير.
نشر العلماء في (Psychology today) مقالا عن وظائف العقل الخمسة التي من بينها وظيفة “الجوع لليقين” الذي يفضل فيها العقل البقاء في مقدمة السيطرة والحياد، ويرفض المشي في طريق التغيير باعتباره طريقا يجهل مصيره، وفي هذا السياق ذكر في الشريعة “الناس أعداء ما يجهلون” فيبقى الحل أمام العقل هو خلق مبررات وأعذار تنتهي بالعجز والفشل.
قبل البدء في عملية التغيير، يجب على المرء أن يدرك أفعاله أولا؛ إذ إن الإدراك نصف التغيير، فلو كان شخص يقلق بسرعة وهذا فعل يريد أن يغيره فيجب عليه بالضرورة أن يدركه أولا، فلن يتغير إلا بعدما يدركه..وهكذا. فبمجرد الإدراك ينفصل المرء عن الفعل ودائما ما يكون السلوك بعد هذه المرحلة من الإدراك إيجابيا وهو ما نسميه بالتغيير فعندما تدرك أن التدخين يضر بصحتك مباشرة تبدأ في محاولات الانفصال عنه تدريجيا، وعند كل مرة ستحمل فيها سيجارة سيكون سلوكك إيجابيا وأكثر حرصا إلى أن يتكرر هذا الفعل أكثر من مرة لتكون عادة صحية جديدة كانت صعبة وأصبحت سهلة بعد التغلب على عقلك وعاداته القديمة بالإدراك والتكرار واليقين في التغيير “غير أفكارك تغير حياتك” واين داير.
ومن هنا، نستنتج أن الإدراك يوصل للتفكير والتفكير يعطي معنى ويثبت التركيز، والتركيز يؤثر على الأحاسيس التي يأتي السلوك بعدها مباشرة، والذي بدوره يسبب النتائج التي تغير واقع حياتك؛ فالتغيير شيء ثابت إذا لم تجعله إيجابيا سيجعلك سلبيا، إذ إن كل من لا يملك إرادة التغيير يعيش طيلة حياته داخل خانة الروتين المؤدي إلى الملل ومن تم إلى التفكير السلبي وكل تلك الأحاسيس السلبية التي من شأنها تدمير توازنك ومن تم حياتك، فحسب كلية الطب بسان فرانسيسكو؛ 80% من أفكار العقل سلبية والتي تسبب 75% من الأمراض.
في الواقع، الحياة أقصر من أن نجعلها مقرا للسلبية والتشاؤم والاكتئاب، في حين كل منا يملك على الأقل خمسَ نِعمٍ لا يملكها أحد غيره قادرة أن تكفيه حياته كله لتجعله يحس بالسعادة والإيجابية. فقبل أن تتهم الجميع بعدم فهمك، حاول أن تراجع نفسكـ، لعلك لم تقدر نفسك وتفهمها، إذ إن معادلة التغيير بسيطة إذا لم تتحكم فيها وتجعلها إيجابية تسعى نحو الأفضل بالتغلب على عقلك ومبرراته ستتحكم فيك وتجعل منك أكثر الناس سلبية وتسعى نحو الأسوأ دائما، إذ يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ} [الرعد:11] تحرك إذن واختر الأصح وما تحب، تقبل نفسك وثق بها وانطلق في رحلة اللانهائي، رحلة التغيير، تسعد فيها، تحاول وتفشل وتحزن وتنسى لتشفى وتحيا من جديد. قال تعالى: {وأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} [النجم: 39].