قراءة في كتاب الإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيغوفيتش
تعلي الأعمال الفكرية التي تساهم في رفع شأن الإسلام من شأن مؤلفيها! ويعتبر كتاب الإسلام بين الشرق والغرب نِتاج أفكار وُجِّهت صوب الفهم الجوهري للإسلام الذي يقع بكامله تحت صيغة “الوحدة ثنائية القطب”. وقد تناول المؤلف قضايا من الأهمية بمكان، جاهد حق الجهاد لاستنباط توضيحات وخلاصات ووجهات نظر حق لنا أن نتوقف عندها ونتزود منها زاد العلم والمعرفة.
تناول المؤلف تعريفاً للإسلام فيه من العمق والدقة ما يعجز اللسان عن التعبير بكلمات تليق بتلك الترجمة الكافية الوافية حيث يقول: “إن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه: من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني.. من قوة النفس في مواجهة محن الزمان.. من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود.. من حقيقة التسليم لله.. إنه استسلام لله.. والاسم إسلام!”
من بين أهم المفاهيم التي تطرق إليها المؤلف نجد مفهوم الإنسان، فهو ليس نتاج التطور البيولوجي الدارويني ذو الأصول المادية الطبيعية، بل هو إنسان ذو ثنائية مركبة أو كما جاء في هذا الصدد: (إنه دودة الأرض وابن السماء) هو مخلوق أودع فيه الخالق من السمات الإنسانية ما جعله متميزاً عن سائر المخلوقات الأخرى (الإنسان أكثر من جميع ما تقوله عنه العلوم مجتمعة).
الإنسان ليس مجرد جسد يعيش لتلبية رغباته المادية، وليس روحاً فقط همُّها العبادة والطهارة والعزلة، بل هو وحدة متزنة متناسقة بين الروح والمادة، فالجهاد واجب لتحقيق التوازن بين كلاهما (إن الحياة الإنسانية تكتمل فقط عندما تشتمل على كل من الرغبات الحسية والأشواق الروحية للكائن البشري).
فكل سلب للإنسانية وإن كان باسم التقدم والحضارة فهو استعباد واستذلال للإنسان ونقص من كرامته وقيمته كمخلوق مشرّف، فالحالة المثلى للطوبيا (المجتمع المثالي) تتمثل في تقليص الإنسان إلى مجرد وظيفة إنتاجية استهلاكية واختزاله في تخصص يعلي من شأن المجتمع ويقلِّل من شأن الفرد. والطريق لفهم تركيبة النفس البشرية هو في حد ذاته فهم لروح الإسلام فهُما وجهان لعملة واحدة.
من بين أهم القضايا التي تطرّق إليها المفكر علي عزت هي قضية الأخلاق، معتبراً إياها واجباً إنسانياً يتجاوز المصلحة والمنفعة (إن حماية العجزة والمُقعدين، أو العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى الذين لا أمل في شفائهم، كل ذلك ليس من قبيل السعي وراء الفائدة، فالأخلاق لا يمكن أن تخضع لمعايير المنفعة، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل هناك أخلاق بلا دين؟ كيف بإمكاننا تفسير أخلاقيات اللادينيين؟
إن تبني الأخلاق عند اللادينيين يرجع في صميمه إلى التأثير بدين قديم ظهر في الماضي ولا زالت جذوره مترسخة في الأذهان وفي الذاكرة والأدب والثقافة والفن والسينما.. فإن الأخلاق كمبدأ تشترط وجود دين كمرجعية لها، بينما الأخلاق العملية فبإمكانها أن تتواجد في غياب الدين. لنخلص إلى أن الأخلاق ما هي إلا دين آخر.
عندما نتحدث عن ثنائية الإسلام، فنحن أمام دين يحتضن الحياة الإنسانية بكل جوانبها، فهو ليس ديناً مجرداً يهتم بالعالم الروحاني، وليس مذهباً مادياً يهتم بتلبية الحاجيات البيولوجية، هو جمع بين المتناقضين لتحقيق التوازن في حياة الإنسان (إن الإسلام هو البحث الدائم عبر التاريخ عن حالة التوازن الجُوّٓاني والبرّٓاني).
إن النظرة الشمولية لدى الإسلام للكون جعلته يسمو على سائر المذاهب الإنسانية والدينية المحرّفة ذات النظرة الأحادية الجانب للنفس البشرية، وتظهر ثنائية الإسلام في مجمل شعائره الدينية (كالصلاة والصيام والزكاة والحج..) وفي كل أحكامه وقوانينه وقد وضّح المؤلف ذلك في كتابه أحسن توضيح.
ماذا عساي أن أقول إلا كما قال الله تعالى في كتابه المُحكم التّٓنزيل: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}.