السلام على من عرف السلام

1٬383

السلام على من عرف السلام، واستقر وجدانه على حافة الاطمئنان، السلام على كل مهموم خانته سكينته، فلا هو ثابت ولا فؤاده استطاع السكون، السلام على كل عاشق منذ عشقه لم يذق الاستسلام، والسلام على قلوب وجدت مستقرها ومستودعها بسلام. فمن منا لم يسعى للسلام؟ وخاصة مع نفسه، من منا لم يقرر يوما أن يعلن الهدنة على ذاته؟ فهل بلغ مقصوده واستقر كيانه؟

فالنفس والأنا وأنا، من أنا إن كنت نفسي أنا التي تحدثني، أسئلة دائما تراودني، من التي بالعلى دائما تذكرني؟ وفي نفس الوقت لها رأي مخالف، فإذا بها للهاوية تدفعني، كيف لي أن أكون نفس الشخص، كيان يحمل بين طياته شخصين متناقضين في الفعل والقول والتفكير؟ أم نحن اثنين أم شخص آخر يسكنني؟

مقالات مرتبطة

كل يوم أنا في حرب، مع من؟ لا أعلم، شيء غريب لا تراه عيني ولكنه بداخلي، صوت يشبه صوتي من أعماقي يناديني، ودائما للبشاعة يغريني، في المقابل يوجد الصوت الثاني، و يا له من صوت، من النقاء والحكمة دائما يرويني، كل يوم يجب أن أقف وقفة حكم بين طرفين متحاربين، وكلٌ من طرفه، يثني علي بأجود ما جادت به فطنته، فكيف أحكم بين الاثنين والحكم يستدعي العدل، والعدل بيني وبين نفسي يستحيل، فتارة تغريني البشاعة ولا أنكر فنفسي دائما لها تميل، لأن البشاعة تستدعي الانحراف، والانحراف سبيله سهل مستقيم، لا تشيبه شائبة و لا يطلب من سالكه أي مجهود أو تذكرة عبور، سبيل يرحب بالكل، ويغري الكل والكل مندفع ناحيته، بل الأسوأ، لا تدري كيف ومتى سلكته، حتى تجد نفسك ستنغمس بوحل القاع وما أدراك ما القاع، الظلمة الحالكة تعمي القلوب في الصدور، وحين تدرك وتريد أن تستدرك لتعود أدراجك قبل فوات الأوان، تجد سبيلا آخر، مختلفا تماما عن سبيل دخولك لمتاهة الانحراف، فتجد نفسك أمام تحديات والتحدي الأكبر أمامك تجد نفسك التي بدأت للبشاعة تعتاد وإنقاذها ليس بالأمر الهين، وخاصة إن تملكتها الأخيرة وفي قاعها غرقت فلا يخرج من ظلمات البشاعة إلا من رحم ربي.

ولكن الحكمة سبيلها وعر مظلم ومخيف وبمقدمته تحديات، فمن سلكه يمشي وحيدا وهذا التحدي الأول، الاستغناء عن الناس، سبيل سالكه يصاحب الصمت، ولسانه يلجم بالذكر، لا تغريه الدنيا ومالها ولا شهرة ولا تفاخر، سبيل فيه أنت ونفسك تعيشان في سلام، لا صراع ولا جدال، فالحكمة موجهك والوجهة نور يضيء ظلمات أعماقك لتنار بصيرتك، ومن أنيرت بصيرته قادته في الحلكة بعينين مغشيتين.

فلكل من عرف السلام، السلام عليكم، وكما عرفتموه عرفونا وكما أنيرت بصائركم أنيرونا وكما سبقتم ألحقونا، وادعوا عودة ميمونة في قريب غير آجل لمن ضل في سبيل البشاعة ومن تملكته حتى أغرقته ومن سحبته إلى ظلماتها فطرحته مذؤوم النفس معمي البصيرة. فيا أهل السلام، مني لكم أزكى السلام وكل التقدير والاحترام.