أن تكون قائدا أم شخصا عاديا؟

من أسوء الخطابات التحفيزية المعاصرة التي أنتجها ما يسمى بالتنمية البشرية هي الأهمية العظيمة لأن تكون مميزا في العالم مهما كلفك الثمن. يضخمون أهمية أن تستمع الناس لك، ويقلدونك ويقيسون قيمتك بمقدار تأثيرك بالعالم، جاعلين بهذا الفكر العقيم حياة الشخص العادي إما جحيما أو دون قيمة.

كثير من الشباب دخلوا في اكتئاب كارثي نتيجة محاولتهم التميز وتغيير العالم، بعد أن أحسوا أنه لا قيمة لحياتهم ما داموا لم يصبحوا قادة كما أرادهم العالم. يجب أن نعي جيدا أن كل شخص هو مميز في نفسه ولذاته، يجب أن تتقبل أنك شخص عادي، بطموح عادي، وأهداف بسيطة، وعمل عادي وروتين عادي، وكلمة عادي أقصدها بمعيار العالم، لست مضطرا لتترك بصمة للعالم.

مقالات مرتبطة

صحيح، يجب أن تكون صالحا في مجتمعك، لكن صلاحك لا يتطلب فوق طاقتك؛ فأن تنفع مجتمعك ذاك غاية كل شخص سوي، لكن البصمة في المجتمع ليست بالضرورة ما يطلبونه منك، لست مجبورا أن تكتب كتابا تنفذ نسخه من السوق، ولست مطالبا بأن تنشر صورة تلقى إعجاب الملايين، كما لست مضطرا أن تكتشف جهازا يعمل ليل نهار بأقل تكلفة، كما لست مضطرا أن تنظم حملة خيرية تنهي الفقر بإفريقيا!

أحيانا، كل ما يحتاج منك المجتمع إماطة الأذى عن الطريق، وأحيانا أخرى يحتاج منك أن تُرشِد تائها أو كفيفا، أن تساعد مريضا، أن تكف أذاك عن جارك، أن تلقى أخاك بوجه طلق، أن يَسْلَمَ أخوك من لسانك ويدك، أن تكون صادقا، ألا تكون غشاشا في دراستك وعملك بل وتكون متقنا حسب استطاعتك، أن تتحمل مسؤولياتك، أن تكون أبا صالحا أو أما صالحة، ألا يرى منك أبناؤك ما لو قلدوه فسدوا في المجتمع، وغير ذلك من الأمور البسيطة التي تجعلك مؤثرا فعلا في المجتمع لكن دون كاميرات ودون إعجابات، أمور لا يتكلم عنها أصحاب وهْم التنمية البشرية.

لا يمكن للمسلم أن يفكر كتفكير من لا يؤمن بالآخرة، إن كنت طالبا التميز الأكبر فاسْعَ إلى التميز في الحياة الأبدية، قد تكون في عرف العالم نكرة، ولكنك عند الله خير زمانك، فطهر قلبك واحفظ روحك من التعب والمرض. من وفقه الله ليكون فاعلا أكثر في المجتمع فذاك فضل من الله ومنة، كل حسب طموحه وإمكانياته وقدرته الجسدية وصحته النفسية، لكن، أبدا لا تحمل نفسك ما لا تطيق ولا تستسلم لكل موجة تجهل اتجاهها، فبمجرد أنك تتنفس في هذه الحياة وتفرح بلحظاتها الجميلة وتصارع أزماتها فأنت إنسان قوي مميز تستحق أن تفخر بنفسك، ولا تقس دنياك على معايير غيرك، فوحدك من تعلم ظروفك وقيمتك، ووحدك تعلم ما تجاوزته لكي تصل إلى ما يسمونه “شخصا عاديا”. كن فخورا بنفسك، صالحا، ولا تحقرن من المعروف شيئا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri