ماذا بعد عيد المرأة؟

عيد المرأة يعود مجددا ككل سنة، ليُذكِّرنا أن هناك شخصا يستحق أن يحتفى به على الدوام. قد تُسعد البعض منا مثل هذه المناسبات، لكنها لا تنفك تُذَكّرني بأن يوما تُقدم فيه التهنئة، لا ينسيني للحظة حقيقة ما يحدث للنساء طوال السنة؛ مقابل تلقي تهنئة ليوم واحد، قد ترافقها وردة حمراء أو باقة ورد أو ربما هدية إذا بلغ مقدمها من السخاء ما يكفي.

إلى جانب هذا العطاء الموسمي، تٌقدم للمرأة أشياء أخرى يوميا، لكنها ليست وردية هذه المرة. حسب آخر تقرير اطلعت عليه للأمم المتحدة، فإن العنف ضد النساء لا زال مقبولا في العالم على نطاق واسع، والأرقام تتحدث هنا؛ إذ إن 12 مليون طفلة يتزوجن كل سنة و4 ملايين فتاة يتعرضن لخطر الختان. أما في عام 2016، شكلت النساء والفتيات 70% من ضحايا الاتجار بالبشر في العالم، ومعظم الحالات كانت تتعلق بالاستغلال الجنسي؛ بالإضافة إلى أن واحدة من بين كل 20 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما تعرضت للاغتصاب.

أما عن نِسب العنف ضد المرأة في العالم العربي، فالأرقام صادمة. إذ تُصنف لبنان في المركز الأول بنسبة 82%، تليها مصر (72%) و المغرب (71%) ثم الجزائر (66%)، فيما تأتي تونس (48%) وليبيا (34%) واليمن (30%) في آخر اللائحة حسب الباروميتر العربي. كل هذه الحقائق وغيرها تجعلنا نتساءل؛ وأنا هنا لا أعمم بالطبع بل أتحدث لغة الارقام: هل نحن فعلا نُقدر المرأة كإنسان (كأضعف تقدير) بعيدا عن التقدير الحقيقي الذي تستحقه؟ أعتقد أننا نعرف الجواب مسبقا مع أن البعض منا قد ينكر ذلك.

تلوح في ذهني الآن صورة قد تكون مألوفة لدى الأغلب منكم، وهي كلمات تخرج من أفواه بعض الرجال، وهم يقرؤون في إحدى صفحات الجرائد أو يشاهدون في نشرة الأخبار مظاهرة نسوية ما، تطالب بحق من الحقوق؛ فلا تنفك تسمع العبارة الشهيرة: ما الذي ترغب فيه النساء بعد؟ ألا ينعمن بكل شيء! أو غيرها من العبارات التي تصاحب مثل هذه الأحداث كأنها أصبحت لصيقة بها. في مثل هذه اللحظات، قد يتناسى هؤلاء وغيرهم ممن يحملون هذه الأفكار، العديد من النساء القرويات اللواتي يعانين قساوة الحياة من كل جانب. فلا الطبيعة ترأف هناك ولا الطبيعة البشرية ترحم، كأن ‘الرحمة’ نفسها نسيت قرابتها مع كلمة ‘رَحِمْ’.

مقالات مرتبطة

في ذلك الجانب الآخر من العالم، تعاني النساء في صمت يائس، قد تموت إحداهن عند الولادة، دون أن تحظى برؤية رضيعها. همها الوحيد، الوصول إلى المستشفى قبل أن تفقد ذلك الرضيع الذي حملته وهي تجمع الحطب لكي تنعم بالقليل من الدفء في قسوة الشتاء، أو تفقد نفسها، أو هما معا. في تلك التضاريس التي لا تحنو، قد تضطر النساء أيضا إلى قطع مسافات طويلة في الحر كي تحصلن على رشفة ماء. كل هذه الاحتياجات الطبيعة وغيرها، لا تعرف النسوة هنالك طريقا للمطالبة بها أو الدفاع عنها. في تلك الأماكن الغابرة والزوايا المُوحشة، لا تعرف النساء معنى ‘حق’. لا تستطيع إحداهن النزول إلى الشوارع للانضمام إلى مظاهرة ما أو الإدلاء برأيها في برنامج تلفزيوني أو التذمر في إحدى المقالات، فما معنى أن يكون للإنسان رأي؟

أتذكر في السنة الماضية أنه في يوم عيد المرأة، أخبرتني أمي أنها زارت متجرا كبيرا للتسوق، وبدت متحمسة وهي تطلعني على العروض والأثمنة المخفّضة التي وجدتها هناك بمناسبة عيد المرأة، وعندما سألتها عن نوع السلع التي كان يشملها التخفيض، قالت: مواد التجميل وأدوات المطبخ. وكم كان جوابها هذا مثيرا للسخرية والاستفزاز في أن واحد، إذ إن التخفيضات اقتصرت على شيئين اختصرا كل شيء.

في النهاية، لا أجد جوابا لمصدر هذه النظرة الدونية التي لا زالت تصاحب المرأة إلى حد الآن. أعترف أنها لم تعد النظرة ذاتها التي كانت في السابق، وقد تختلف من رقعة إلى أخرى لكنها ليست أقل ضررا، وبما أن الحقيقة لا زالت تفرض نفسها معبرة عن الواقع الذي تعيشه النساء في العالم، فهذا يؤكد أن هذه النظرة لم تختفِ بعد. قد يبدو جليا الآن أن ما تحتاجه المرأة فعلا هو الاحترام و التقدير؛ بعيدا عن التمييز الجنسي ونظرة الاستخفاف المعهودة، لا يوماً عالميا تقدّم فيه التهنئة والتخفيضات.

1xbet casino siteleri bahis siteleri